التعاون العابر للحدود.. حلّ لأزمة الصحافة اللبنانية؟

علي شهاب

الأربعاء 2019/05/01
لم يشهد القطاع الإعلامي في العالم العربي ولبنان مبادرات جدّية لمواكبة التحولات العالمية الحاصلة في النظريات والتقنيات على حد سواء. واكتفى معظم المعنيين بهذا القطاع بإلقاء اللوم على شبكات التواصل وتراجع الدعم المالي السياسي الذي صبّ في دعم المجهود الحربي للأطراف جميعها، وبات يفضّل الإعتماد على مشاريع إعلامية أقل كلفة كمنصات الفيديو القصيرة على الإنترنت وتطبيقات الهواتف الذكية.
لكن واقع الصحافة عالمياً ليس بهذا السوء الذي يتحدث عنه الصحافيون والإعلاميون العرب واللبنانيون.

فعمليات البحث والتطوير والمبادرات في أوروبا عموماً، وألمانيا وبريطانيا تحديداً، كما في الأميركيتين، تؤكد أن المشكلة الرئيسية في عالم الإعلام غير المستقر في طبيعته وجوهره تكمن في عدم مواكبة البعض للتطور وقصور الذهنيات الإدارية التقليدية في فهم واختبار آليات جديدة للنجاح في كسب أذواق الجمهور والإستثمار في سلوكه.

في السنوات القليلة الماضية، إنطلقت أبحاث أكاديمية في جامعات أوروبية بالإستناد إلى تجارب عملية تحاول تطوير نماذج أعمال مبتكرة بهدف تجاوز الأزمات التي تواجهها الصحافة في العالم.

أحد هذه النماذج ما بات يُعرف باسم "الصحافة العابرة للحدود" Cross Border Journalism. 

غير أن أسباب التركيز على هذا النموذج لم يكن الموضوع المادي فقط، بل تبين أن هذا النوع يضمن تعددية ويتيح تنوعاً أكبر في المواد الإعلامية كنتيجة طبيعية لتعاون المحترفين من خلفيات وانتماءات متعددة، وبالتالي فهو أقدر على محاكاة أذواق الجمهور الذي بات يبحث عن معالجة أوسع للقضايا العالمية، كما المحلية.

إحدى المنصات الرائدة عالمياً في مجال الصحافة العابرة للحدود هي "هوست رايتر" Hostwriter التي تتخذ من برلين مقراً لها، لكنها باتت تنتشر في أكثر من 145 دولة في العالم، من بينها لبنان.
المنظمة، التي تضم أكثر من أربعة آلاف صحافي وإعلامي، تقدّم نموذجاً يحظى باهتمام وسائل الإعلام الدولية كما الباحثين الإعلاميين، كونها استطاعت في فترة قياسية بناء شبكة واسعة من الأعضاء والعلاقات العابرة للحدود الجغرافية والعرقية واللغوية.

وتنشط في ألمانيا منظمة أخرى، إقليمية الطابع، هي "أن أوست" n-ost التي تركز أكثر على القارة الأوروبية، كما تمثّل "هاك باك" HackPack وهي تمثل اسماً ريادياً في هذا النوع من المنظمات الدولية.

وفي حوار مع "المدن"، تقول كريستينا لي، مسؤولة برنامج سفراء "هوست رايتر"، إن السبب الرئيسي لإطلاق "هوست رايتر" كان دعم الصحافيين بدايةً في العثور على فرص أفضل خارج حدودهم الطبيعية، خصوصاً أن نقص العلاقات كما العامل المادي عادة ما تكون عائقاً أمام تقدم الصحافيين المستقلين سواء كانوا محترفين أم خريجين جدد.

وهكذا برزت الفكرة لإنشاء شبكة تجمع هؤلاء الصحافيين وتحاول ربطهم ببعضهم البعض وبالمؤسسات الإعلامية الدولية بهدف التعاون وتشارك الخبرات والتسهيلات.

وعن إختلاف "هوست رايتر" عن بقية المنظمات الشبيهة، توضح كريستينا لي، أن المنظمة تسعى لتغطية حاجات كافة العاملين في الصحافة، على إختلاف أنواعها، بدءاً من الصحافة العلمية، فالاستقصائية إلى صحافة البيانات.

ويبرز هذا التنوع في جنسيات أعضاء المنظمة الذين يتواصلون بشكل يومي عبر منصة إلكترونية خاصة ينشر فيها الجميع فرص العمل، الزمالات، المنح، النصائح والحاجات المتبادلة، ضمن سياسة مفادها أن "التعاون لا التنافس هو مفتاح النجاح في الإعلام العصري". 

وعن سؤال "المدن" حول خصوصية الإعلام العربي وإمكانية نجاح هكذا تجربة في مساعدة الصحافيين العرب، تجيب كريستينا لي، إن الدراسات والإستطلاعات تؤكد أن "التحديات التي يواجهها الصحافيون في جميع العالم مشتركة، وإن اختلفت في بعض التفاصيل"، مضيفة إن "تأثر الإعلام في انحاء العالم تاريخياً بالنموذج الغربي لم يعد كافياً لدعم حرية التعبير، بعد صعود اليمين حيث رأينا ان تهديد حرية الصحافة بات مشكلة عالمية".

وتعتقد لي، أنه بدلًا من تعميم النماذج الأوروبية والغربية "صارت ضرورية مشاركة الخبرات والتجارب". وفي هذا السياق، "يمكن للصحافيين في العالم العربي تعليمنا الكثير حول آليات العمل في بيئات مناهضة للإعلام وكيفية مواجهة الشائعات والبروباغندا"، مجددة القول إن تركيز "هوست رايتر" هو على التعاون النموذجي لكل حالة" تبعاً لظروفها وخصوصياتها.

وتدعو لي، الصحافيين العرب إلى الإنضمام إلى المنظمة وتشجيع الصحافيين الغربيين على القدوم إلى بلادهم والتعاون في إنتاج قصص ناجحة. كما تضع "هوست رايتر" كافة امكاناتها لدعم التدريب والوصل إلى المعلومات في مجال "الصحافة العابرة للحدود" وأهمية التنوع في الإعلام بين أيدّي المهتمين.

ومن ضمن نشاطاتها التي شارك فيها صحافيون من العالم العربي مؤخراً، تستعد "هوست رايتر" لإطلاق كتيب حول "عدم التحيّز في الأخبار" يحوي تجارب عملية وتعريفاً بالمنظمة وأهدافها، فضلًا عن تجهيز سفراء المنظمة لورش تدريبية في جميع أنحاء العالم.

وحالياً اختارت المنظمة سفيراً لها في لبنان والمشرق العربي، وتم عقد أول قمة لسفراء المنظمة في العاصمة البولندية وارسو، قبل أشهر قليلة. وترحب "هوست رايتر" بإنضمام أعضاء جدد إليها، علماً أن عضويتها مجانية لجميع العاملين في الحقلين الإعلامي والصحافي.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024