"مستقبل ويب" يتعثّر بخطواته الأولى

بتول خليل

الخميس 2019/02/28
قبل أسابيع قليلة طوت صحيفة "المستقبل" 20 عاماً من تجربة صدورها بالنسخة الورقية، لتتحوّل إلى جريدة رقمية بالكامل بهدف "مواكبة التحولات التي تشهدها الصناعة الصحافية في لبنان والعالم"، إضافة إلى عدم تمكّنها من مواجهة "التراجع المتواصل الذي تشهده السوق المحلية في المبيعات والمداخيل الإعلانية"، وفقاً للمبررات التي ساقتها إدارة الصحيفة، معاهدة القرّاء والمتابعين على "مواصلة العمل لتقديم أفضل خدمة إعلامية لهم، بروح الرسالة الوطنية والعربية التي حملتها "المستقبل" منذ تأسيسها".


لم تتأخر الإدارة في الوفاء وعدها بالاستمرار بشكلٍ جديد وصيغة مختلفة، فأتت الإنطلاقة في 14 شباط الحالي، بإطلاق موقع "مستقبل ويب"، تزامناً مع الذكرى الـ14 لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، في رسالة أوحت بأن التغيير لن يطال المبادىء والقناعات والوفاء للنهج، بل ينحصر بانتقال الصحيفة من الورق إلى منصة الكترونية "تحاكي العصر والتطور".

وبالرغم من أن التجربة لا تزال في بداياتها ويفصلها شوط طويل لكي تستقر وتصل إلى الشكل الأكثر تناسباً مع صيغة المشروع، إلا أن الانطباع الأولي يُشير إلى افتقاد الموقع للهوية والبصمة الخاصة، حيث يبدو هزيلاً لناحية الشكل والتصميم وكذلك المحتوى والمضمون، ولولا بعض التقارير الخاصة بفريق التحرير والحصرية للموقع، لبدا "مستقبل ويب" أشبه بوكالة أنباء تنشر الأخبار الحدثية أولاً بأوّل، من دون جهد ملحوظ لاستعراض خلفياتها أو تحليل دلالات الأحداث وقراءة تداعياتها، وسط غياب لكتّاب الرأي والتحليل المعمّق الذي يمكن للموقع أن ينفرد ويتميّز به، ما يجعله، حتى الآن، بعيداً من التطلعات التي رسمتها إدارة "المستقبل" بالعمل على تقديم الأفضل والأشمل. ولا يشفع إطلاق خدمة "ويب تي في" عبر الموقع، بإضفاء التمايز على تجربته، إذ إنّ كفّة النجاح عادة ما ترجح في النهاية إلى المضمون وطبيعة المحتوى والقيمة التي يقدمها.

إطلاق "مستقبل ويب" أتى في لحظة حرجة وحسّاسة بالنسبة لـ"تيار المستقبل"، الذي يعاني حالة فقدان توازن، بعدما خاض معارك شرسة في تشكيل الحكومة، وقبلها في الانتخابات النيابية، وما سبقها من أزمات مالية وخسائر متوالية على أكثر من صعيد، فيما تقف مؤسساته على أنواعها على رأس منحدر كبير بفعل تفاقم الأزمات المالية، ما يعني أنها قد تكون مهددة بالتدحرج والسقوط واحدة تلو الأخرى إذا ما لم يتم استلحاقها وتثبيتها، كنوع من إنقاذ لوجود التيار وحضوره السياسي وامتداده. وما إغلاق جريدة "المستقبل" بفعل التدهور المالي، واتخاذ قرار التحول إلى الصيغة الالكترونية، التي تضمّ أيضاً أخبار "تيار المستقبل" ورئيسه والأمين العام والمكتب السياسي والمنسقيات والقطاعات، إلا أكبر دلالة على الرغبة بضغط المصاريف بالحد الأقصى بعد الاستنزاف المالي الذي يعاني منه منذ سنوات، والذي تُرجم أيضاً بصرف عشرات الموظفين من مؤسساته الإعلامية، ما يعكس استراتيجية الرئيس سعد الحريري، التي تتمثل بمحاولة وقف النزيف المادي، واستلحاق ما يمكن إصلاحه، قبل أن تصل الأمور إلى حدّ الانهيار الكامل.

إغلاق الجريدة الورقية وإنطلاق ورشة الإصلاح ومحاولة الحفاظ على ما تبقّى، انطلقت بعد انتهاء ما يدّل على انتفاء الحاجة الحالية إلى الزخم المتواصل الذي كانت تستلزمه المعارك الكبرى التي خاضها "المستقبل"، وشكّلت فيها وسائل إعلامه رأس الحربة الأهم، رغم ما كان يصيبها من ترهّل وتراجع، ما يجعل التوقيت الحالي مؤاتياً لبدء العمل بخطة النهوض وإعادة هيكلة مرافق التيار كافة. ورغم الانتكاسات والهزائم الصغرى التي مُني بها في الانتخابات الأخيرة، إلا أنّه يُحسب للحريري أنّه حافظ على قوّته الأساسية في مناطق كبيرة رغم خوضه لمعاركه الانتخابية للمرة الاولى بميزانية رمزية تكاد لا تقاس ولا تذكر نسبة للمبالغ التي كانت تُرصد سابقاً في هذا الإطار، والتي كانت تُناهز عشرات ملايين الدولارات بل المئات منها، أيّام والده الشهيد. لذا فإنه من المرجح أن سياسة التقشف سوف تطال وسائله الإعلامية، ومنها الموقع الجديد الذي بإمكانه أن يفوق الجريدة الورقية أهمية، في حال العمل عليه بعناية واحترافية.

إلا أن الموقع الآن وبصيغته الحالية يُمكن بالكاد اعتباره مشروعاً صحافياً وإعلامياً يلبّي متطلبات النهوض التي من المفترض أن يطمح إليها "تيار المستقبل". لذا فإنه لا يسع القول أن جريدة "المستقبل" قد أتمّت نقلتها التي تواكب روح العصر، إذ أن هناك فجوة كبرى لا تزال بانتظار ردمها، كي يتم هذا العبور وتجنّب الوقوع والمرواحة، الذي سيؤدي حكماً إلى عدم القدرة على الالتحاق بالركب الإعلامي الحثيث والمتسارع، ما يُخرج موقع "مستقبل ويب" من السباق الصحافي منذ بداية انطلاقه.

وفي هذا السياق يقول رئيس تحرير الموقع جورج بكاسيني لـ"المدن" إن الموقع "اتخذ صيغته وشكله النهائيين، لكن فكرة التطوير تبقى دائماً موجودة، ويمكن تطعيم الموقع بعناصر وكفاءات جديدة لكن ضمن الامكانيات المتاحة"، مضيفاً أن "أي موقع صاعد، وخصوصاً اذا كان لديه مشروع يهدف لإظهاره كموقع جدّي ومحترف يمتلك القدرة على الوصول لأكبر عدد ممكن من المتابعين، يستوجب منّا دوام البحث عن الكفاءات والعمل الحثيث على تطوير المستوى والعناية بنوعية المضمون الذي سيدّعم بمحتوى وأرشيف جريدة المستقبل الورقية، وهو ما نعمل على إنجازه خلال الأسابيع القليلة المقبلة. لكن يجب الاعتراف بأنّ التطوير يبقى مرهوناً وخاضعاً لمسألة الإمكانيات المادية، التي بدونها لن يكون متاحاً تحقيق كل ما نصبو إليه".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024