معركة الهواتف الذكية في سوريا والعراق

المدن - ميديا

الإثنين 2020/10/05
في ظل الأخبار الكاذبة التي تنشرها الميليشيات الإيرانية والوكلاء الأجانب في كل من سوريا والعراق، برزت حاجة التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، إلى سلاح جديد من نوعه لاستخدامه في أرض المعركة، وهو الهواتف الذكية.


وبينما كان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في طريقه إلى واشنطن في منتصف آب/أغسطس الماضي لمناقشة الدور الأميركي في العراق، كانت صفقة هواتف ذكية تسلك الاتجاه المعاكس لمصلحة الجنود الأميركيين في ذلك البلد، حيث بات الدفع باتجاه هذه التقنيات الحديثة، مجرد البداية فقط، للمساعدة في ميدان معركة المعلومات ومحاولة أنسنة التحالف أمام الرأي العام المحلي.

وبحسب مجلة "فورين بوليسي"، طلب هذه الشحنة الكولونيل مايلز كاغينز المتحدث باسم قوات التحالف التي تقودها واشنطن ضد تنظيم "داعش". وقال كاغينز: "أنا متأكد أن هذه هي المرة الأولى التي تسلم فيها هواتف أيفون 11 برو ماكس للجنود الذين يتولون العلاقات العامة، إنه بمثابة اختراق".

وأصبحت هذه الهواتف رمزاً لتحد أكبر يواجه التحالف الدولي، في مجال مكافحة الأخبار الزائفة التي تنتشر في العراق وسوريا، وأيضاً من أجل شرح مهمة التحالف، في وقت تجد فيه الولايات المتحدة نفسها في خضم حرب المعلومات المعقدة التي تشنها المجموعات الإيرانية، والحكومة السورية، وموسكو، والرامية إلى تبديد الثقة بمهمة التحالف الدولي في العراق وسوريا.

وفي الأشهر الستة الماضية، تزايدت الهجمات بالصواريخ والعبوات الناسفة ضد الجنود الأميركيين في العراق من قبل مجموعات تسعى إلى إخراج الأميركيين من هذا البلد ونشرت مقاطع فيديو عن الهجمات عبر الإنترنت لتوجيه رسالة إلى واشنطن. كما تعمد مجموعات موالية لإيران مثل ميليشيات حزب الله، والنجباء بشكل منتظم إلى نشر رسائل تتهم الولايات المتحدة باستخدام سفارتها قاعدة عسكرية لتبرير شن مزيد من الهجمات.

وفي سوريا، تطلق وسائل الإعلام الإيرانية مزاعم يومية عن تجاوزات أميركية، مثل سرقة النفط السوري. كما تستفز القوات البرية الروسية الدوريات الأميركية، ويعمد المسؤولون ووسائل الإعلام الروسية إلى تصوير هذه المواجهات على أنها خطأ أميركي.

والحال أن هذا الخلط بين المواجهة العسكرية في العراق وسوريا والرسائل على الأرض، هي للاستهلاك المحلي، في وقت يبدو الزعماء الإقليميون مصممين على تقويض الوجود الأميركي. وفي خطوة غير مسبوقة في أواخر أيلول/سبتمبر الماضي، أبلغت واشنطن بغداد، بأنها إذا لم تتوقف مثل هذه الهجمات على السفارة والجنود الأميركيين، فإن الولايات المتحدة ستسحب سفارتها الضخمة من العراق.

وعندما وصل كاغينز إلى بغداد في آب/أغسطس 2019، بالكاد كان ضباط العلاقات العامة في بغداد يملكون وسائل للاتصال برفاقهم في قوات سوريا الديموقراطية، وهي ميليشيا كردية شكلت الحليف الأساسي لواشنطن في المعركة ضد تنظيم "داعش" في سوريا. ورغم مضي أربعة أعوام من العمل سوياً، فإن حساب التحالف في "تويتر" لم يكن يتابع حساب المتحدث باسم "قوات سوريا الديموقراطية" مصطفى بالي. وكان كاغينز أول متحدث باسم التحالف يغرد بالكردية لنظرائه في سوريا لتنسيق الرسائل.

ويؤكد استخدام التحالف التغريدات لتوجيه رسائل إلى الخصوم والشركاء على الأرض، على تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في الحرب اليوم. وووصف كاغينز الشائعات عن هجمات على القوافل الأميركية بـ"المغلوطة" وأظهر تضامن القبائل في وادي الفرات التي عانت من مجازر "داعش"، علماً أن القبائل هي مفتاح لتوفير الأمن لدور التحالف في حماية حقول النفط اليوم. كما أن تفنيد الأخبار المزيفة المؤيدة لإيران، هو أيضاً أمر أساسي لخفض التصعيد.

ولعب كاغينز بوصفه متحدثاً باسم التحالف، دوراً أساسياً في ترويج تكنولوجيا جديدة، بالتغريد بالكردية، وإرساء علاقات محلية، والدفع نحو استخدام ناشط لوسائل التواصل الاجتماعي. وترك كاغينز منصبه الشهر الماضي، لكن رؤيته يمكن أن تغير الطريقة التي ستخوض بها الولايات المتحدة حروبها المستقبلية وتوضح كفاح واشنطن في هذه اللحظة المحورية في بغداد.

وبحسب "فورين بوليسي" فإن بشرة كاغينز السوداء وخدمته في منصب عام فريد في وقت كانت فيه الولايات المتحدة تمر بمواجهة عميقة مع العنصرية في الداخل، ساهمت في نجاح مهمته في الشرق الأوسط، حيث ساعده لون بشرته ساعده على تكوين علاقات مع السكان المحليين في أماكن مثل العراق.

وعندما بدأت المظاهرات المنددة بمقتل الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد، على يد الشرطة في الولايات المتحدة، قال كاغينز أن العديد من الأكراد بعثوا إليه برسائل تعبر عن تضامنهم لأنهم واجهوا أيضاً تمييزاً تاريخياً في العراق وسوريا.

ولعل مشكلة القوات الأميركية، أنها في حاجة إلى معلومات استخباراتية متقدمة عن القرى التي تدعم النظام السوري، وتلك التي تبدي تعاطفاً مع الولايات المتحدة. وهذا يعني أن عليها أن تكون على تماس متواصل مع الأرض. كما أنه يعني أن يكون الجنود قادرين على الوصول إلى تكنولوجيا تمكنهم من مواجهة الحملات الدعائية التي تطلقها دمشق وموسكو.

على سبيل المثال، ينشر الروس مقاطع فيديو عن أحداث معينة بسرعة على الإنترنت. وكان على المتحدثين الأميركيين أن يفندوا باستمرار روايات تنتشر في سوريا والعراق عن نشر الولايات المتحدة صواريخ باتريوت، أو حتى إحراق المحاصيل الزراعية. وبالتالي فإن الدفع في اتجاه التكنولوجيا الحديثة، مثل الهواتف الذكية، للمساعدة في الرد في ميدان معركة المعلومات ومحاولة أنسنة التحالف، هو مجرد البداية فقط.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024