"لوموند": التحول الديمغرافي وراء احتجاجات.. لا ترشيح بوتفليقة

حسن مراد

الأحد 2019/03/03
 
يكفي إلقاء نظرة خاطفة على الصحف الفرنسية حتى يدرك أي قارئ حجم الاهتمام السياسي والإعلامي بالمظاهرات المتواصلة في المدن الجزائرية ضد ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة. 

لا ينحصر هذا الاهتمام بتاريخ العلاقات التي جمعت البلدين: فالجزائر تزود فرنسا بـ 10% من احتياجاتها من الغاز، والجالية الجزائرية كبيرة العدد في فرنسا ولم تقطع صلاتها مع بلدها الأم، ما يجبر السلطات الفرنسية على توخي الحذر الشديد في اتخاذ أي موقف حيال هذا الملف. الجغرافيا حاضرة أيضا وبقوة في الاعتبارات الفرنسية إذ يُخشى من ارتفاع موجات الهجرة، لا سيما غير الشرعية منها، بفعل زعزعة الاستقرار كما الخشية من ارتدادات انعدام الاستقرار على الوضع الأمني الفرنسي. 

من الطبيعي إذاً أن تدفع كل هذه العوامل الصحافة الفرنسية إلى تغطية المشهد الجزائري باهتمام شديد حتى خصصت صحيفة الـ Le Monde ملحقاً خاصاً حمل عنوان: "الجزائر ... الصحوة". 

عبر هذا الملحق، طرحت الصحيفة الفرنسية السؤال التالي: لماذا تحرك الشارع الجزائري؟ 
صحيحٌ أن شرارة الاحتجاجات أشعلها إعلان ترشح بوتفليقة لعهدة جديدة، لكن للتظاهرات أيضاً خلفياتها الاقتصادية - الاجتماعية. 

فتحت عنوان "الجزائر ... تداعي عائدات النفط"، سلط فريدريك بوبان الضوء على تأثير هبوط أسعار النفط على الواقع الاقتصادي الجزائري. هذا القطاع الذي يمثل 95% من الصادرات الجزائرية و60% من الإيرادات العامة لم يعد قادراً على "تمويل السلام الاجتماعي"، على حد وصف بوبان، بفعل ارتفاع عجز الميزان التجاري والعجز العام وتراجع احتياطي العملات الأجنبية، يضاف إليها قِدَمُ البنية التحتية النفطية بشكل يعيقها عن مواكبة ارتفاع الاستهلاك الداخلي. 

وربط بوبان بين اعتماد الاقتصاد الجزائري على هذا القطاع من جهة والواقع السياسي الحالي من جهة أخرى. فاعتبر أن ترشيح بوتفليقة يعكس، في جزء منه، إرادة على إبقاء الستاتيكو السياسي على حاله، لأن اختيار شخصية أخرى سيخلط الأوراق السياسية ما يهدد التوافق الحالي على آلية استفادة شبكات المصالح من عائدات النفط. 

وحتى لا يتصور القارئ أن احتجاج الجزائريين على واقعهم هو ابن ساعته، خصصت الصحيفة في ملحقها الخاص مساحة كبيرة لموفدتها إلى ورقلة، زهرة الشناوي. 

هذه المدينة - الولاية الواقعة جنوب العاصمة الجزائرية تفتقد لخدمات عامة وبنية تحتية عالية الجودة، كالتعليم والطبابة ومياه الشرب، كما تعرف نسبة بطالة مرتفعة رغم غناها بالموارد النفطية. وهو ما أدى بسكانها للاحتجاج مراراً لا سيما في العام 2013 حتى وصفتها موفدة الصحيفة الفرنسية بـ"ورقلة المحتجة". 

واعتمدت الشناوي في تحقيقها على شهادات لشباب استفاضوا في سرد تقصير الدولة في مجال التنمية لتتحول ورقلة إلى مثال فادح لسوء الإدارة العامة الجزائرية. من جانب آخر، تَعَمُد موفدة الـ Le Monde إعطاء الكلمة للشباب يترك انطباعا أن التحول الديمغرافي سبب رئيسي وراء الحركة الاحتجاجية، تحولٌ عجزت الدولة عن مواكبته.  

تركيز الصحيفة على الجوانب الاقتصادية - الاجتماعية لم يطغَ على تناول الموضوع من منظار سياسي. 

ففي مقابلة مع الأكاديمية كريمة ديريش حملت عنوان "النظام بالغ في تقدير صبر الناس"، اعتبرت الأخيرة أن الجزائريين حطموا الانطباع السائد بتحولهم إلى شعب غير مسيس بفعل الخوف من العودة إلى حقبة شبيهة بـ"العشرية السوداء"، انطباعٌ انغرس أساساً في أذهان النظام ما دفعه للغطرسة. واضافت ديريش أن الجيل الحالي من العسكريين يفتقد للشرعية السياسية التاريخية المستمدة من حركة التحرر الوطني، كما تداخلت مصالح الاوليغارشية العسكرية مع أصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي الأمر الذي عزز العلاقات الزبائنية والفساد.

ولم تستبعد ديريش إلغاء الانتخابات الرئاسية على غرار ما جرى سنة 1992، فكل الاحتمالات واردة لدى نظام فوجئ بهذه الحركة الاحتجاجية.  

ترى الصحيفة الفرنسية في الحركة الاحتجاجية الجزائرية اعتراضا شاملا على واقع قائم، وما ترشيح بوتفليقة إلا رأس الجليد. فالجيل الجزائري الشاب يشكل العمود الفقري للتظاهرات، جيلٌ يرفض ابتزازه بالعشرية السوداء ما يعكس عزمه التحرر من الترهل السياسي - الاقتصادي – الاجتماعي. 

صحيحٌ أن الضبابية لا زالت تحيط بالمشهد الجزائري، لكن الصحيفة الفرنسية ترى فيه بالحد الأدنى مفصلاً مهماً في المسار السياسي للبلاد. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024