الياس الرحباني التلفزيوني.. مبدع الظل

نذير رضا

الإثنين 2021/01/04
الإجماع الشعبي على أن الياس الرحباني ظُلم خلال مسيرته الفنية، يتعرض للإجتزاء حين يُربط بعدم نيله جزءاً وافراً من ضوء الأخوين الرحباني. فالغصن الثالث من شجرة العائلة الرحبانية، لم يدخل ميدان المنافسة مع شقيقيه، بل اختار طريقاً مختلفاً منذ أن انهى الأعوام الـ12 التي درس خلالها الموسيقى على أيدي أستاذين فرنسيين، ولو أنه يتقاطع مع شقيقيه على لبننة الموسيقى العالمية.
 

فالظُّلم الذي لحق به، يتمثل في خيارات البقاء في الخلفية. مرة وراء البيانو، ومرة أخرى في الظل حين ألف عدداً من الإعلانات التلفزيونية والإذاعية المغناة منذ السبعينيات. في تلك الفترة، كان الإعلان العربي مرتبطاً بأغنية ومَشاهد تمثيلية، وضع الرحباني الثالث مؤثراتها. وعلى مساحة العالم العربي، ترددت أغنيات إعلانات "لا فاش كي ري" و"جبنة بيكون" و"باريلا معكرونة"...

نالت أعماله حظاً وافراً من النجاح، قد تتخطى، شعبياً، حضور ألحان عاصي التي اقتصرت على أغاني فيروز والمسرحيات الغنائية. نجاح كبير شعبياً لبراعة الياس الموسيقي، بسبب تكرارها، حتى باتت موسيقى أغنياته ثيمة تمتد على الشاشات العربية. هو بهذا المعنى، حاضر في البيوت العربية بما يتخطى حضوره المسرحي، كما هو حال شقيقيه، رغم أنه ألف ثلاث مسرحيات غنائية خلال مسيرته، بينما حضر في خلفية أعمال أوبرالية باللغات العربية والفرنسية والانكليزية والايطالية. 

خلافاً لشقيقيه اللذين كانا صوت لبنان وصورته الفنية، ابتعد في العواصم واللغات، فأعادته الشاشات الى لبنان كلبناني معولم، أعدّ اغنيات "فرانكو آراب"، رغم أنه لم ينفك عن انتقاد الحال، بالقول مراراً ان "الموسيقى في الشرق لا تطعم خبزاً". 

على مفاتيح البيانو، أحضر الياس موسيقى العالم الى لبنان. قد تكون تلك واحدة من الصور التلفزيونية الأكثر انتشاراً له. تُضاف اليها صورته في "سوبر ستار" كعضو في لجنة التحكيم، فرض حضوره طرافة على البرنامج، من غير أن تتسم صورته بالصرامة، وهي واحدة من طبائعه. فالرجل الذي توفي اليوم، كان منحازاً للضحكة، كما كان يكرر، قبل أن ينال "كورونا" منه اليوم الاثنين. 

في صورته الظاهرة، موسيقي مثقف، يجيد اللغات الأجنبية ويؤلف الأغاني والموسيقى العابرة للواقع اللبناني. كرس تلك الصورة في حواراته وإطلالاته التلفزيونية، وفي واحدة منها، أبهر مشاهديه حين أدى مقطعاً عجيباً بغناء "فرّ تك تك يا حجيلة"... 

كان الياس، بقدراته وضحكته وعدم تكلّفه، أكبر من المساحة المعطاة له في الضوء، خصوصاً في فترة وجود شقيقيه.. وفي الظل، كان الأوسع انتشاراً، مرة عبر الإعلانات التي بدأ بتأليفها منذ كان في الـ19 من عمره، ومرة أخرى في مقاطع مبهرة يحفظ اللبنانيون إيقاعاتها في مناسباتهم، وبعضهم لا يعرف أنها مقطوعات موسيقية لالياس الرحباني. 

في الذكرى الثلاثين لرحيل الفنان اللبناني نصري شمس الدين، الذي لحن له الياس أغنية "يا مارق عالطواحين"، قال الياس الرحباني: "نصري وغيره، كلهم يجب أن يبقوا أحياء من خلال تكريمهم وذكراهم وخطهم الموسيقي". ينطبق القول في الياس الذي رحل اليوم، ونال تكريماً وافراً لم يعنِ له الكثير. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024