أزمة "المستقبل".. الحريري يضحّي بامتياز السنّة

نذير رضا

الخميس 2019/08/01
قبل أسابيع، بثّت نشرة أخبار تلفزيون "المستقبل" المسائية، مقدمتين ناريتين. الأولى، ردّت فيها على مقدمة نشرة أخبار "أو تي في"، والثانية ردّت على وزير الخارجية جبران باسيل من دون أن تسميه، في ظل النقاش حول الصلاحيات. 
لطالما كان تلفزيون "المستقبل"، الذراع الإعلامية لتيار "المستقبل" وللرئيس سعد الحريري. بعث من خلاله التيار رسائل سياسية رداً على الخصوم، وفي محطات سياسية مفصلية. اليوم، توقفت نشرة الأخبار. فالسيف السياسي الذي كان يُستل جزئياً، قابع الآن في غمده، في خضم المناوشات السياسية. اختنق بسبب أزمة مالية معلنة، لا شيء سواها، كما يؤكد العارفون. 

وتوقُّف النشرة المسائية، وطبعاً نشرة الـ12 ظهراً، ونشرتَي الظهيرة، والمسائية وأخبار الصباح وعالم الصباح، ضاعف الأسئلة عن وجهة التلفزيون، وأخرج هواجس العاملين والسياسيين المحسوبين على التيار من أن يكون مقدمة لإقفاله. علماً أنه الآن بحكم المقفل، كون برامجه التي تُبث ميتة، بالمعنى الاعلامي والتسويقي، وساهم شحّ التمويل في تراجع القدرة على المنافسة في الدراما والبرامج، قبل أن تتوقف نشرة الاخبار عن البث، ويتجمد خطاب "المستقبل"، ويفتقد جمهور "المستقبل" الى منبر يبوح عبره بأحواله وشجونه. 
ويجب القول ان توقف التلفزيون، أو إقفاله في فترة لاحقة، إذا كان مخططاً له، سيكون تخلياً عن امتياز منحه الاتفاق غير المعلن بين الطوائف في لبنان للطائفة السنية. ففي مطلع التسعينيات، وبعد نهاية الحرب اللبنانية، جرى اتفاق لتنظيم قطاع "المرئي والمسموع" وتم توزيع الشاشات على الطوائف مناصفة، أربع للمسيحيين وأربع للمسلمين. 

وعليه، كان "المستقبل" يمثل المنبر السنّي بالنسبة للطائفة، والمنبر السياسي بالنسبة لـ"المستقبل" وجمهوره. الآن، بالتضحية بهذا الامتياز (الذي حصل عليه نتيجة التركيبة الطائفية في البلد)، يتخلى الحريري عن امتياز للسنّة، وليس لتياره السياسي فحسب. ويُقرأ منه إنكسار سياسي، سيفتح شهية كثيرين، من الطائفة السنية، على المنافسة إعلامياً، تمهيداً لمنافسة سياسية.

ورغم نفي المطلعين على أن تكون هناك أي أبعاد سياسية لإغلاق التلفزيون، وحصرها في الأسباب المالية، إلا أن انهيار مملكة "المستقبل" الاعلامية، من الجريدة الى التلفزيون الى تقلص المواقع الالكترونية، يعني من دون شك، انهياراً لمملكة أسسها رفيق الحريري، ورعاها حتى باتت مملكة محل تقدير كونها جمعت موظفين من مختلف الطوائف والتيارات، وفتحت منبراً حراً للرأي، فتنوعت فيها الآراء، واستقطبت جمهوراً من مختلف المشاهدين العرب يتابعون برامج القناة والمسلسلات الدرامية، فضلاً عن أنها القناة الاولى التي كانت تبث 24/24 ساعة. إضافة الى ذلك، روجت لصورة لبنان الذي كان يطمح له الحريري الأب، ولثقافة الفرح ومساعي التنمية الاقتصادية، رغم الانتقادات الكثيرة للحريري نفسه، حتى ضمن طائفته. 

ومنعاً لأن تصبح المخاوف وقائع، ويقفل التلفزيون، كان لا بدّ من الاشارة الى هذه الوقائع، وسط تجاذبات ومفاوضات فشل بعضها لمنع الإضراب من شل المؤسسة، إثر تراكم الرواتب المتأخر سدادها، والتي بلغت 16 راتباً، ولم تتحقق الوعود، بينها وعد الرئيس الحريري نفسه، بدفع مستحقات الموظفين ومتأخراتهم. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024