ومن بين هذه الأصوات، هناك من لم يَنسِف نهائياً صيغة "المهاجرين والأنصار"، كما هو حال الكاتب أحمد سارغين، الذي أكد أن بلاده "أمّة مضيافة تتعامل مع اللاجىء وفق ما يمليه عليها ضميرها"، لكنه رأى في الوقت ذاته أن المكان الأنسب لإقامة المعارضين السوريين هي "المنطقة الحدودية الآمنة" في الشمال السوري.
و
دعا سارغين إلى أخذ هواجس الشعب التركي و"ردود أفعاله المشروعة" في الاعتبار، وهي دعوة سلبيّة مبطّنة، إذا اعتبرنا أن ما جرى من هجمات على أملاك سوريّة (حدثت أو ستحدث) مُبرّرة بالحساسيات المتزايدة لا بشيءٍ آخر!
ومن دون أن يبتعد كثيراً من فكرة "الموقف الشعبي" التركي وتمايزه عن "الموقف الرسمي"، يرى كاتب آخر أن تشبيه اللجوء السوري بهجرة الرسول والصحابة هو "تفسير رومانسي" غير واقعي لأنه يفتقد إلى عنصر أساسي ألا وهو "الرضا والتطوّع".
و
يوضح الكاتب إسرافيل بالجه أن الأنصار تاريخياً "أظهروا أعلى درجات التضحية حين تقاسموا ممتلكاتهم في المدينة المنورة مع المهاجرين"، لذلك لا تصحّ المقارنة مع ما يجري حالياً كون الوجود السوري في تركيا يعتمد على قرار الدولة وحسابات ميزانيتها العامة وليس على رغبة المواطنين الأتراك واندفاعهم للمساعدة.
وبينما لا تخرج هكذا تحليلات عن دائرة النقد المتوقّع، فإن الأمور تأخذ منحى مختلفاً مع ظهور مفردات لم تكن مألوفة في الخطاب التركي حيال السوريين.
وفي الآونة الأخيرة كان لافتاً التهويل باستخدام مصطلح "التغيير الديموغرافي" بما له من أبعاده وتأثيرات في وعي أي مجتمع، كونه الفزّاعة التي تستطيع إيقاظ مخاوف من نوع آخر.
وفي هذا السياق انتقد
موقع "دنيا بولتيني" الالكتروني الغرَق في الشعارات من قبيل "مهاجرين وأنصار" والذي أدى بالنتيجة إلى زيادة عدد الأجانب في مناطق تركية بطريقة تثير "قلق السكان المحليين". وتحت عنوان "القلق المشروع للضيف والمُضيف" ذكرَ الموقع أن هناك "حاجة إلى حل مشترك من أجل تلبية احتياجات المهاجرين (سوريين وعرباً وسواهم) وأيضاً لكي لا يُفرَض التسامح على السكان الأصليين".
وبما أن المسألة وصلت إلى "الحرص على العنصر التركي" في مقابل "الغرباء"، فإن النقاش لم يَعُد ينحصر في اللجوء السوري، إذ لم يجد الكاتب صبري غولتيكين، مشكلة في الحديث عن مخاوف تخصّ "التركيبة السكانية التي تتعرض لخطر التغيير في تركيا وخصوصاً في اسطنبول؛ تلك المدينة التي اختار مهاجرون كثُر من دول عديدة الإقامة فيها، حتى أنها باتت واقعة تحت حصارهم!" بحسب تعبيره.
وكما الآخرين، رَكّز
الكاتب على الفروق الثقافية والاجتماعية في العادات ومظاهر الحياة اليومية، أكثر من تمحيصه في الأرقام ذات الدلالة سكانياً، ليخلُصَ إلى التخوّف من "شعور أتراك اسطنبول بالغربة في بلدهم".
وفي مقابل لغة متوازنة، عادةً ما تطبع الأقلام الصحافيّة، أياً كانت المبالغات، فإن لغة التشفي لم تغِب أيضاً. ولعل أوضح مثال هو احتفاء الكاتبة التركية، سيمره سلاتارأوغلو، في مقال لها، بالتضييق على اللاجئين السوريين عبر سلسلة إجراءات، بينها الترحيل. وعلّقت الكاتبة بالقول: "انتهت الاستضافة، والصوت ارتفع من أنقرة. إنها نهاية الحياة الحرة للسوريين. لدينا خطوات بهذا الصدد".
وذهبت الكاتبة أبعد ما يكون في اللعب على فكرة التوطين بأسلوب انفعالي، قائلةً :"لسنوات فتحنا أبوابنا، لكنهم (السوريون) يتكاثرون بسرعة. خلال 10 أو 15 سنة سنكون أقليّة".
وكنتيجة، يمكن القول أنّ تداول فرضيات "مستقبلية" كهذه يجعل من الصعب توقّع سقف الخطوات المتّخذة تجاه السوريين بهدف تبريد نار الرأي العام و"المزاج" التركي الذي اتضحت قابليته للاشتعال سواء
بسبب "نراجيل" اللاجئين وسياحتهم، أو بفعل تهاوي قيمة الليرة التركية.