أنت شيعي؟ إذاً، مسموح لك السلاح

قاسم مرواني

الخميس 2020/10/08
بات مشهد العراضات المسلحة والاشتباكات المتنقلة يتكرر بشكل ممل، في دلالة واضحة على غياب تام للدولة وعجز عن فرض الأمن. 
من طرابلس إلى بعلبك، حيث يتابع أبناء العشائر اشتباكاتهم على خلفية الأخذ بالثأر. شبان غاضبون يحملون مختلف أنواع الأسلحة الرشاشة والصاروخية، يقطعون الطرق، يهددون، يتجمعون بسياراتهم رباعية الدفع ولا يكترثون لوجود دولة.  

الدولة لم تأت من العدم، انتخبها الشعب ومن بينهم هؤلاء الغاضبون، أبناء العشائر. هذه الدولة تحصد اليوم ما زرعته على مدى عقود من الزمن من إهمال تام لأبناء الأطراف، بالأخص الشمال والبقاع. تركتهم يزيلون أشواكهم بأيديهم، يعالجون مشاكلهم بالطريقة الوحيدة التي يعرفونها، السلاح والقتال. 

زرعوا الحشيش ليعيشوا وغضت الدولة الطرف، قتلوا بعضهم فادّعت عدم معرفتها، سرقوا السيارات وتاجروا بالمخدرات وأرخت لهم الحبل، كان ذلك بالنسبة للدولة ثمناً بسيطاً تقدمه مقابل أن يبقوا بعيدين منها، طالما أنهم في البقاع وبعلبك فلا بأس في ذلك.

الدولة تعتبر نفسها في بيروت فقط، بعلبك عبء عليها. عندما نزل أهل البقاع إلى بيروت، أتوا بالبقاع معهم، فباتت اشتباكاتهم تحصل على أوتوستراد هادي نصرالله وحي السلم وصحرا الشويفات. الدولة طبعاً لم تمانع، فليسيطروا على حي في الضاحية طالما أنهم بعيدون من بيروت الإدارية. 

بؤس هؤلاء الشبان الغاضبين لم يبدأ اليوم، ربما لم يتأثروا بالأزمة الاقتصادية الحالية كونهم يعيشونها منذ عقود مضت، قمعهم السوريون 15 عاماً، اعتقد اللبنانيون معها أن البقاع منطقة هادئة، أن أهلها يعيشون كما أبناء الجنوب وبيروت.

بعد السوريين، بقوا تحت سيطرة ما تبقى من أجهزتها الأمنية، وكان حزب الله قد تغلغل بين عشائرها وجنّد أفرادها وشيوخها لمصلحته، فبات أهل البقاع أداة لديه، يستعملها حيث تتطلب مصلحته. 

العلاقة بينهم قائمة على المصالح المشتركة، يعطيهم الحماية فيطيعونه، لكن هذه المعادلة لطالما كانت قابلة للكسر أمام العقلية العشائرية المسيطرة. 

الجنوب بقي بعيداً من إهمال الدولة. بضغط من السوريين ومن حركة أمل وحزب الله، بهدف دفع السكان للصمود في أراضيهم، حصلوا عبر "مجلس الجنوب" على الإنماء. شُقّت الطرق، افتُتحت المدارس والمستشفيات، وصلت الكهرباء والمياه لكل بيت جنوبي، عاش أهله في نعيم بالنسبة لأخوتهم في البقاع وطرابلس، ساعدهم السفر على تأمين بديل من قلة الاستثمارات والوظائف. 

الشيعة الذين دخلوا الدولة وسيطروا عليها، ما زال جمهورهم محكوماً بالعصبيات الطائفية، لم يتشكل في وعيه بعد مفهوم حقيقي لدولة تفرض سيطرتها على أراضيها. بالنسبة إليهم، الدولة هي بقرة حلوب يربونها في حظيرتهم الخلفية ويحلبونها حتى الموت. 

الجمهور الذي استفزه مشهد السلاح في طريق الجديدة وطرابلس وخلدة، اعتبروه ذريعة لهم للتمسك بسلاحهم، لم يحركوا ساكناً أمام السلاح في بعلبك. ناشطوهم في مواقع التواصل الاجتماعي، الذين لهم في كل عرس قرص، التزموا الصمت، راضين بفائض القوة لدى أقرانهم، السلاح بالنسبة إليهم، سواء كان شرعياً أو متفلتاً أو غير شرعي، لا تسري عليه سوى قاعدة واحدة: أنت شيعي.. إذا مسموح لك السلاح. 

صَمتُ الجمهور الشيعي أمام ما يحدث في بعلبك، كان مستفزاً للناشطين في مواقع التواصل، اتهموهم بالكيل بمكيالين، كما هاجموا الدولة التي، بالنسبة إليهم لا تقسو يدها إلا حين تتعامل مع الطرابلسيين.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024