الدراما اللبنانية تستغيث.. والممثلون مدعوون لتنازلات

إيمان ابراهيم

الأحد 2020/07/05


قضى الانهيار الاقتصادي المتزامن مع تراجه سعر صرف الليرة وانتشار وباء "كورونا" على أي أمل للنهوض بالدراما اللبنانية التي يصرّ صنّاعها على الاستمرار رغم كل المعوقات، ما دفع قطاع الإنتاج الدرامي الى مرحلة قاتمة، لم يعرف مثلها حتى في أحلك أيّام الحرب. 

الأزمة لم تبدأ منذ أشهر، بل من العام 2014 عندما بدأت المحطات التلفزيونيّة تعاني من أزمة مالية، حالت دون دفعها مستحقات المنتجين، تلتها انتفاضة 17 تشرين التي كشفت أزمات الاقتصاد اللبناني، والقطاع المصرفي الذي حجز على أموال المنتجين، ليأتي وباء كورونا ويوقف معظم الأعمال التي كانت تصوّر لشهر رمضان الماضي.

ومع بدء تخفيف القيود وعودة الممثلين إلى الاستوديو، كان سعر صرف الدولار قد شهد ارتفاعاً جنونياً وبات معه الدّخول في أي مشروع مغامرة غير محسوبة العواقب.

يعترف صنّاع الدراما أنّ ما يمرّ به قطاعهم يحتاج إلى خطوات إنقاذية تتضافر فيها تنازلات الممثلين مع قيام المحطات بدفع مستحقاتها يقابلها بيع الإنتاج إلى محطات عربية، وإلا فإنّ قطاع الإنتاج لن ينجو من المصير الأسود الذي لحق بكل القطاعات في البلد.

ويمثل استمرار العمل في قطاع الإنتاج في خضم هذه العقبات، تحدياً يوجب ايجاد خطط بديلة وضعها المنتجون لتسيير أعمالهم رغم الخسائر التي استنزفتهم على مدى سنوات، ورغم الوضع القاتم الذي لا يبشر بأنّ القادم سيكون أفضل.

ويتفق المنتج مروان حداد الذي يعمل في الدراما المحلية البحتة ولديه تجارب واسعة مع المحطات اللبنانية، مع المنتج جمال سنان الذي يعمل مع محطات عربية ولديه أعمال في هوليوود متوقّفة بالكامل بسبب فيروس كورونا، على ان الازمة عميقة، لكن في جعبة كل منهما خططاً للاستمرار في الإنتاج بأقل الأضرار.
جمال سنان: المحطات اللبنانية قتلت الدراما 

ويتحدّث سنّان عن الضّربة التي تلقّتها شركته "إيغل فيلمز" بإيقاف تصوير أكثر من مسلسل كان من المقرّر أن يُعرض في شهر رمضان، ما حال دون عرضها، ويقول: "انتشار فيروس كورونا حال دون تصويرنا الكثير من الأعمال، منها مسلسل "دفعة بيروت" الذي بدأناه منذ أشهر مع نجوم عرب في بيروت ثم توقّف التصوير، وعلق النجوم في بيروت مع إقفال المطار، وعدنا اليوم لنصوّر".

كيف يرى جمال سنان مستقبل الإنتاج في ظل الأزمات المتراكمة؟ يقول: "مشكلتنا لم تبدأ مع كورونا، بل بدأت مع الحراك الشعبي وإقفال الطرقات وأزمة المصارف، ثم جاءت أزمة كورونا وأثّرت أكثر على الإنتاج الذي تضرّر بشكل أكبر بسبب الوضع الاقتصادي المنهار في لبنان".

ويحمّل سنان المحطات اللبنانية المسؤولية الكبرى عما يعاني منه قطاع الإنتاج. فمشكلة المنتجين مع المحطات "بدأت منذ سنوات، وبرأيي أن أكثر من أضرّ بالإنتاج هي المحطات اللبنانية لأنّها لا تساعد الدراما اللبنانية، بل تتذرّع بمشاكل مادية كي لا تدفع للمنتج مستحقاته".

ويؤكّد سنان أنّه منذ عشر سنوات ولغاية اليوم، لم يعمل منتج في مجال الدراما إلا ووقع في خسائر بسبب تقاعس المحطات عن دفع مستحقاتها. "لديّ في ذمّة إحدى المحطات اللبنانية الملايين، واليوم أعتقد أنّه جاء الوقت لنضيء على هذا الأمر... محطاتنا هي من داعمي قتل الدراما اللبنانية".

وبدأ المنتج اللبناني يتّجه نحو تطبيق "شاهد" و"نتفليكس"، بهدف تعويض هذه الخسائر. يقول سنان: "العالم يتجه نحو تطبيقات العرض الالكترونية. كان من المفترض أن تقوم محطاتنا بتقوية منصّاتها الإلكترونية لكنها لم تفعل، واهتمّت بأرقام الرايتنغ وهي أرقام كاذبة بالمناسبة". 

ورغم ذلك، لن يتوقف سنان عن الانتاج في لبنان ويتعهد بالاستمرار في هذا المجال. يقول: "شركتنا تعيل 5 آلاف عائلة، وعندما كنّا نصوّر في شهر رمضان، كان ثمّة من يقصف علينا وعلى أرزاق هذه العائلات، وكأنّه يخشى على صحّتنا أكثر ممّا نفعل، لم أكن أرد لأنّي لا أرى سوى عملي وفريق عملي الذي اشتغل لنستمر في هذه الظّروف الصّعبة".

ويوضح أنّ رؤيته من شهر رمضان الماضي كانت إزالة المحطات اللبنانية من حساباته. فمسلسل "أولاد آدم" على سبيل المثال، "لم أكن أفكّر بعرضه في لبنان، تعاقدت مع MTV قبل يومين من عرض المسلسل. اليوم سأنتج أعمالاً عربية مشتركة وأعرضها في الخارج".
ويشير الى ان بعض الممثلين تنازل عن أجره مع الأزمة الاقتصادية في لبنان، أما البعض الآخر، فنحن بانتظار التوصل الى اتفاق، لكنه يرى في الوقت نفسه أنه بسبب الازمة الاقتصادية، من لن يراعي الظروف، "سيجلس في منزله".

ويؤكّد أن النجم الذي لن يكون متعاوناً سينعكس هذا الأمر عليه هو لأنّ الأزمة طالت الجميع.
ويستعد سنان لتصوير أكثر من عمل في الفترة المقبلة، بينها مسلسل للممثل معتصم النهار. يقول: "كورونا باقٍ معنا وعلينا أن نتأقلم ونتابع عملنا، نصوّر ضمن ضوابط الوقاية اليوم ونتّكل على الله". أما عن الأزمة الاقتصادية فيرى أنها أعمق من أزمة كورونا، وأخطر، ويؤكد أنه رغم كل الظروف لن يتوقف عن عمله في مجال الإنتاج.

مروان حداد:أدعو إلى خطّة إنقاذيّة


من جهته، يعمل المنتج مروان حداد منذ سنوات في الإنتاج الدرامي اللبناني، وقد تمكّن من مواجهة أصعب الظّروف، لكنّه يعترف اليوم أنّ الظّرف الذي يمرّ به لبنان اليوم غير مسبوق وأن صناعة الدراما تمرّ بمرحلة قاتمة. يقول: "الخلاص يكون من خلال دعم خطّة لإنقاذ القطاع الخاص الذي يقوم عليه البلد ضمن دورة اقتصادية متكاملة... إما أن نعيد بناء هذا القطاع وإمّا عبثاً يبني البنّاؤون".

وعن المصاعب التي تواجه قطاع الإنتاج، يشير الى "اننا نصرف الملايين كل سنة لننتج أعمالنا لنبيعها إلى السوق، السوق يعني التلفزيون، والتلفزيون تموّله الإعلانات، والإعلانات تموّلها الشركات والقطاعات الخاصّة التي تعاني اليوم، ما انعكس على الإعلانات بالتالي على المحطّات التي باتت عاجزة عن الدّفع. الأمر يردّنا دائماً إلى النقطة نفسها".

ويشير حداد إلى إن الأزمة لم تبدأ اليوم، بل بدأت عام 2014، عندما بدأت بوادر الأزمة الاقتصادية الخانقة في لبنان. يضيف: "قبل 17 تشرين، كنا نقف على رجل واحدة، وجاء الحراك الشعبي وبعده كورونا "كرسحنا". 

يطرح حداد بدائل للمرحلة المقبلة. يقول: "كنت في المرحلة الأخيرة أخطط للانفتاح على الخارج إذ أنّ سوقي كان دائماً محلياً، واليوم المرحلة تقتضي التضحية من الجميع لإيجاد الحلول بغية الاستمرار، فالدولار مفقود من السوق، وعلى الممثلين أن يدركوا هذا الأمر جيداً، وأن يتنازلوا عن بعض أجورهم ليستمروا وإلا فإن مصيرهم سيكون الجلوس في منازلهم".

ويؤكد حداد أنّ الفنان اليوم عليه إعادة التفكير جدياً بالتنازل ليستمر، والقلّة التي سترفض التنازل ستخرج من السّوق، ويستشهد بالأزمة التي حصلت في مصر بعد الثورة، حيث تنازل الكثيرون من الفنانين عن أجورهم للنهوض بالدراما المصرية واجتياز الأزمة بسلام.

وعن تزامن الأزمة الاقتصادية مع أزمة كورونا وتأثيرها على الدراما، يقول: "هذه أزمة عالمية أثرت على كل المحطات العربية التي جمّدت مشاريعها، فالعمل اليوم مجمّد ولا أحد يعرف ماذا ينتظرنا في الغد، هل سننتهي من كورونا، أم أنه سيكون هناك موجة ثانية؟ لا يسعنا سوى الانتظار لنرَ ما ينتظرنا في المستقبل".

وعلى العكس من زميله جمال سنان، يحاول مروان حداد إيجاد بعض الأعذار للمحطات اللبنانية، رغم أن بعضها لم يدفع له لقاء مسلسلاته منذ سنوات. يقول: "المحطات تعاني منذ سنوات، ومعظمها يصرف أكثر مما يجني، لذا لم تكن تدفع مستحقاتها"، ويؤكد أن لديه مليون دولار في عهدة شركة "باك" منذ العام 2011 ولم يحصل عليها لغاية اليوم.

ويدعو حداد إلى ضرورة عقد طاولة مستديرة لكل العاملين في هذا القطاع، لتقديم خطّة إنقاذ والسّير وفق بنودٍ تضمن للجميع حقوقهم، وللقطاع استمراريته، يشارك فيها كل من يعمل في الدراما، لاتخاذ اجراءات مثل تخفيض النفقات وغيرها من الخطوات الانقاذية للاستمرار.

حداد الذي كان يصوّر مسلسل "عشيق أمي" الذي عاد وغيّر عنوانه إلى "هند خانم" مع الممثل السوري خالد قيش والممثلة اللبنانية ورد الخال، أوقف التصوير خلال أزمة كورونا واستأنفه الآن. يقول: "اتفقت على عرضه على محطة عربية وعلى محطة تلفزيون الجديد، لكننا لم نحدد موعداً لعرضه بانتظار ما ستؤول إليه الأمور".

ورغم كل هذا السّواد، يجد حداد نقطة إيجابية في ارتفاع سعر الدولار، وهو إحجام المحطات لاحقاً عن شراء مسلسلات تركية بأسعار رخيصة لضرب الإنتاج المحلّي، إذ أن المسلسلات التركية لن تكون رخيصة بعد اليوم بعد انهيار سعر الليرة وفقدان الدولار من السوق المحلية.

ويختم حداد قائلاً إن الأزمة الاقتصادية كانت أقسى على الإنتاج من أزمة كورونا يقول: "لو كانت لدينا أرضية ثابتة لكنا تحمّلنا أشهر الأزمة، لكن وضعنا كان متضعضعاً... الخوف اليوم أن تطول أزمة الوباء عندها قد تقع أمور لا تُحمد عقباها".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024