قاشوش طرابلس: خلصت سيرة بَيّ الكل

بتول خليل

الأربعاء 2019/10/23
على طريقة أيقونة الثورة السورية الذي عُرف باسم ابراهيم القاشوش، واشتهر بقيادة التظاهرات التي هتفت بإسقاط النظام، وصاحب الحنجرة التي اقتلعها النظام الفاشي في سوريا، ولا تزال تصدح في ساحات الحرية عالياً ضدّ الظلم والفساد والتوريث وحملات التخوين، يقف مواطن طرابلسي أمام الحشود التي ملأت ساحة النور، هاتفاً بعبارات استلهمها من أشهر أنشودات القاشوش "يلا إرحل يا بشار"، والتي كان المتظاهرون في حماة يرددونها خلال بدايات الثورة السورية العام 2011.


يهتف الرجل أمام آلاف الطرابلسيين المحتشدين، بالدعوة إلى رحيل رأس النظام اللبناني، الرئيس ميشال عون وصهره، وزير الخارجية جبران باسيل، قائلاً: "ميشال عون ويلا فل، خلصت سيرة بيّ الكل، عهدك كلو عهد الذل، ويلا ارحل ميشال عون"، مضيفاً: "صهرك حكمتو فينا، نحملكم ما عاد فينا، فينا نكحشكم فينا، ويلا ارحل ميشال عون"، و"يا جبران ويا قاشوش، انت حقك خمس قروش، الشعب فيكن كان مغشوش، ويلا ارحل يا جبران..".


لا تحمل أي من تلك الهتافات، التي تفاعل معها المحتشدون في الساحة الطرابلسية بحماسة شديدة، أياً من الابتكار أو البصمة الخاصة، فهي ليست سوى استقطاب واستجلاب لشعارات التمرّد التي حرّكت جموح الشعب السوري مطلع الثورة السورية. وبالرغم من أن ترداد شعارات تلك الثورة سُجّل في التظاهرات التي شهدتها مناطق لبنانية أخرى، إلا أن استقطابها في طرابلس يحمل رمزية ومعنى مختلفين، بالنظر إلى هوية المدينة وتاريخ صراعاتها وطبيعة مسار الأحداث الأمنية والسياسية التي تشهدها منذ سنوات. ولطالما كانت عاصمة الشمال اللبناني وأهلها على التئام كبير مع الثورة السورية، فهم تشرّبوا أحداثها بشكل يومي وبطرق عديدة، سواء من خلال الأخبار أو مشاركة العديد من أبنائها في القتال أو التصاقهم بقضية اللاجئين السوريين الذين تتواجد نسبة كبيرة منهم في المدينة ومحيطها، ما جعلهم في قلب الحدث وتطوراته على الدوام.


ولا يبدو مستغرباً يستلهم أهل المدينة شعارات الثورة السورية المستمرة منذ ثماني سنوات لانتفاضتهم الراهنة والمستمرة، إذ إن ما حصل ويحصل فاجأ الجميع. فالانتفاضة الحالية مذهلة بشكل كامل، والمشهد الذي قدّمته المدينة كان قبل أيام مجرّد حلم أو ضرباً من الخيال. لم يتوقع أحد أن تجمع طرابلس الموزاييك اللبناني من جميع المناطق المحيطة بها. تلك المناطق التي لطالما كانت مفككة بفعل الانقسام السياسي والتوتر الطائفي، جمعتها طرابلس موحدّة يداً بيد، وهو مشهد لم تألفه المدينة ولا ناسها، الذين اعتادوا التظاهرات المؤيدة للزعماء أو التحركات المطلبية المتبوعة بالعنف والقوة أكثر من تلك الموسومة بالديموقراطية والفرح والأهازيج.

ولا شكّ أن التجربة الحديثة التي تُعايشها المدينة اليوم، استلهمت مظاهرها أيضاً من المشاهد الاحتفالية لانتفاضة الاستقلال في 14 آذار 2005، بعد 30 عاماً من الوصاية السورية على لبنان، والتي كانت لطرابلس حصّة المعاناة الأكبر منها، بالإفقار وانعدام السياسات التنموية، ثم بالترويع والترهيب والقمع وصولاً إلى القتل والإجرام. فكان للثورة السورية لاحقاً الوقع القوي في نفوس الطرابلسيين، الذين استشعروا بأنها ثورتهم أيضاً على الظلم والطغيان، حتى أن المدينة لم تسلم، لشدّة التحامها بالثورة، من دفع الثمن بتعرضها لهزّات أمنية على طول السنوات الماضية، سواء من خلال الاشتباكات العنيفة مع جبل محسن أو حادثة تفجير مسجدي السلام والتقوى وغيرها.

كما أن المدينة التي ناءت طويلاً تحت وطأة الفقر والحرمان، والتي لم يوفّر العهد الجديد جهداً في نبذها ووصمها من قبل رموزه بالإرهاب والداعشية، مثلما سبق لبشار الأسد أنّ خوّن المدن التي ثارت عليه وانتفضت ضدّه، يُصبح مفهوماً اليوم تبنّيها وتردادها للشعارات المناوئة نفسها، حيث أنّ "يلا إرحل ميشال عون" و"يلا إرحل يا جبران"، ليست سوى نوع من الثأر الذي تحمّس إليه الطرابلسيون تجاه الرئيس عون وصهره، تماهياً مع الغضب الذي فاض في نفوس السوريين تجاه الأسد وحلفائه وأتباعه.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024