أن تكون مفطراً في رمضان

إيناس كمال

الخميس 2018/06/14
كنت أستعد لمغادرة منزل العائلة للعودة إلى القاهرة، قبيل المغرب. ناقشتني أمي، حول السفر بعد المغرب، حتى لا أتعرض للتعب والإرهاق والشمس. حتى هذه اللحظة، كان كل شيء هادئاً حتى أعلنت لأمي أني مفطرة.

سحبتُ نفساً عميقاً، لأرد على أسئلة كثيرة أغلبها بصيغة استنكارية حول أسباب الإفطار، التي كان من بينها، استعمالي لبخاخ الأنف، الأمر الذي لازمني في الفترة الأخيرة بسبب الجيوب الأنفية المتأثرة بالحر والرطوبة وسببت تضخماً في غضروف الأنف، أغلق معه إمكانية التنفس الطبيعي، ومن ثم كان لزاماً استعمالي للبخاخ. ورغم اختلاف رجال الدين حول أن كان يفطر أو لا، كان لأمي رأي آخر وهو ألا أستعمله من الأساس وأن أتحمل حتى موعد آذان المغرب!

ومن مبرراتي الأخرى، كانت أني على سفر وهي الرخصة الثانية التي أجيزت في مثل هذه الأشهر ولم يكن من ضرورة حسب الآية الكريمة "من كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر". وربما كان السبب الثالث هو الذي سبب مشكلة أكبر، حينما قلت إني لا طاقة لي على الصيام وأتعب وأشعر بإرهاق يسبب لي حالة دوار تلازمني طوال الوقت وتجعل الحركة اليومية العادية أمراً مستحيلاً، وهو الذي لم أحتج إلى مبرر معه مع رواية عن النبي، شاهد بها رجلاً اتكأ على جانب الطريق من شدة الجوع والعطش فأخبره النبي أن أي رجل أقعده الجوع والعطش فلا صيام له حتى وإن كان صحيح البدن.

أمي تمثل شريحة من المجتمع، وأنا أيضاً أمثل شريحة منه. وكان لزاماً ذلك الصدام الذي كان مجتمعياً أكثر من كونه دينياً بالأساس، فكان المبرر الأكبر من أمي هو الذي تردده أغلب الألسنة بطريقة أبوية وعفوية : "أنا هشيل ذنبك"، رغم أن الآية صراحة تنص على "لا تزر وازرة وزر أخرى" و"لا يضركم الله بعد إذ هديتم". وإن افترضنا أن شخصاً ما سيحمل ذنب أحدهم ويحاسب به، فهو قبل أن يتم مرحلة بلوغه، لا حينما يتخطى الثلاثين عاماً، ولا أن يحمل ذنب عدم صيامه فقط، بينما أيضاً عن الفروض كافة كالصلاة والزكاة وهكذا.

للصيام حساسية خاصة في مصر، لأنه أمر معلن، رغم أني والعديد من الشباب أمثالي، لا نهوى الطعام في الخفاء في الحمامات أو غرف مغلقة، بل نحب الوضوح والمكاشفة. ويمكن أن نخبر الجميع بأننا مفطرون وبلا سبب مع مراعاة شعور الجميع بعدم الطعام والشراب أمامهم. لكن الجميع لا يراعون شعورنا ولا يعطون لأحد عذراً، بل يرونه أمراً إجبارياً حتى وإن كانت هناك مبررات شرعية أباحها الدين لكن للمجتمع وجهة نظر أقسى من سماحة الدين ذاته.

عبر فايسبوك والمجموعات الخاصة بين الأصدقاء والمحادثات مع أناس تشبهنا في ظروفنا، كان المنشور السري الأكثر تداولاً منذ اليوم الأول في رمضان، هو عريضة "Excel" تحتوي أسماء المطاعم والمقاهي والكافيهات التي تسمح سواء للمفطرين أو المسيحيين بالطعام والشراب في رمضان بسرية وحرية لهم، وكان المضحك أن تحتوي هذه العريضة التي جمعت بجهود ذاتية، تعليقات جانبية بجوار كل مطعم من أنحاء مختلفة من القاهرة، وكيفية الدخول، الأمر الذي يشبه شراء المخدرات. 

أن تكون مفطراً في نهار رمضان، يعني أن تدخل مطعماً في أوقات العصر ولكي تكون أكثر راحة تنتقي هذه المطاعم التي يكون أصحابها مسيحيون بالأساس، هؤلاء الذين نعذبهم معنا بالإجبار ودون أن يكون لهم مطلق الحرية في ممارسة حقهم الطبيعي والإنساني في الطعام والشراب، مثلما حدث مع صديق مسيحي أخطأ في شرب زجاجة عصير في الشارع فتلقى من السباب واللعنات ما يكفي شعوباً، دون أن يسأله "الناهر الصائم" أكان مسلماً أم مسيحياً؟!

أن تكون مفطراً، يعني أن يكون المطعم المدرج على اللائحة السرية الخاصة بالأماكن التي تسمح بالطعام في رمضان، به شخصان أو ثلاثة على الاكثر هن من النساء والفتيات والذين ربما يكون لهن عذر شرعي  يمكنهم من ذلك، لكن يأكلون ويشربون كما لو كانوا يسرقون شيئاً ليس من حقهم.

أن تكون مفطراً في رمضان في مصر حتى وإن كان معك عذرك، يعني أن تتعامل مع ذاتك بسبب جهل مجتمعي كما لو كنت مجرماً تختبئ من الناس وأن تبرر للجميع أعذارك الشرعية والطبية وغيرها، وأن يجبرك الجميع على فروضهم ويحاسبونك عليها وحتى وإن لم تكن من دينهم وإن كان معك عذرك إن كنت من دينهم!.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024