"الجزيرة" تتذكر حمص بالاهازيج الثورية

وليد بركسية

الخميس 2016/03/17
استذكرت قناة "الجزيرة" الإخبارية، مساء الأربعاء، انطلاقة "ثورة الكرامة" في عاصمة الثورة حمص، منذ البدايات الأولى للثورة العام 2011 حتى دخول قوات النظام إلى المدينة وبسط سيطرتها على مناطق واسعة منها بالقوة، وذلك في فيلم درب الحرية، الوثائقي الثاني عن المدينة الذي تنتجه القناة ويحمل الأسم نفسه، خلال عام واحد.

وخلافاً للفيلم الأول الذي كان أقرب إلى سرد تاريخي تلقيني ممل، بنت "الجزيرة" فيلمها الجديد بحيوية حول الأغنيات الثورية الشعبية التي شهدتها ساحات حمص الثائرة منذ 2011، وأغانيها الأخرى التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأصبحت ذات رمزية خاصة لدى السوريين، كأنها حنين إلى الماضي الجميل السلمي الذي قتله العنف.

والحال أن صرخات الحرية الأولى في حمص تحولت إلى نقطة أيقونية في مسار الثورة لتضبط كل عام مع ذكرى 15 آذار بوصلة الطريق الجديد، وهتافات الشعب السوري في مظاهراته الأخيرة التي عاد بها للشوارع إثر اتفاق الهدنة في البلاد، وتعيد إلى العالم ذات التراث الثوري النبيل البعيد عن العنف الذي طبع سوريا بصورة قاتمة طوال السنوات الماضية. ويعيد الفيلم على هذا الأساس الاعتبار إلى حمص التي صدرت هذه الطريقة الاحتفالية في التظاهر لسائر أنحاء البلاد.

كل أغنية في الفيلم تختصر مرحلة معينة يتم الحديث عنها بشكل توثيقي مبسط مع صور أرشيفية ومقاطع الفيديو المأخوذة عموماً من توثيق الناشطين عبر السوشيال ميديا، ولقاءات مصغرة مع مختصين في الشأن السوري أو ناشطين من حمص أبرزهم هادي العبدالله وعبد الباسط الساروت الشهير بلقب منشد الثورة.

أغاني الفيلم الأساسية مأخوذة من قصائد شعبية حمصية، وتم إعادة تلحين بعضها بشكل خاص للقناة ومنها استمد الفيلم روحه العامة، فتتكرر الهتافات الحماسية التي تثير عواطف خاصة لدى المتابع: "حرة وعزيزة هالبلد تكبر معاليها، ما همها جور العدا ولا هابت الإجرام، مع كل دم انسكب أجيال تحييها، شوفوا حمص يا ناس، فيها الوفا قوام".

تتوالى الأغنيات: "سكابا يا دموع العين سكابا، على شهدا سوريا وشبابها" و"رح نتظاهر كل يوم حتى نسقطك يا بشار" و"يلي بيقتل شعبو خاين"، وبين كل أغنية والأخرى قفزة زمنية فمن جمعة الكرامة الأولى إلى إضراب الكرامة الذي باتت حمص به صاحبة أطول إضراب في تاريخ البلاد، إلى خروج أحياء المدينة واحداً تلو الآخر عن سيطرة النظام بما في ذلك الأحياء الغنية والفقيرة دون تمييز طبقي.

أفرد الفيلم مساحة لعرض الانتهاكات ضد حقوق الإنسان التي ارتكبها في حمص، وتحديداً موضوع الاعتداءات الجنسية والمجازر الطائفية وأساليب التعذيب في مراكز الاعتقال التعسفي، وكلها كانت أسباباً في رفع السلاح في وجه النظام للدفاع عن النفس، وبداية تشكيل الجيش الحر. وتبرز هنا أغنية "نحن الضباط الأحرار" التي عرضها الفيلم بصوت جمال القاروط أحد مقاتلي الجيش الحر الذين قتلوا في اجتياح النظام للمدينة في شباط/ فبراير 2012.

ربما لا يقدم الفيلم جديداً يذكر من ناحية المعلومات التاريخية التي يعرفها الجميع، لكن الطريقة التي يتم تقديم المعلومات عبرها، تبدو مبتكرة، خصوصاً وأن تنفيذها يأتي ناجحاً بحرفية ودقة عالية، من دون إغراق في اللعب على وتر العواطف بشكل رخيص، خصوصاً أن أغنيات الفيلم بحد ذاتها عاطفية ومؤثرة، وبهذا لا يتجه الفيلم نحو البروباغندا بل يحتفظ بمسار متوازن بين التعليق الصوتي وبقية مكونات الفيلم البصرية تحديداً.

دخول قوات النظام لحي بابا عمرو بشكل دموي عنيف، تزامن مع الذكرى الثلاثين لمجزرة حماة التي قام بها نظام حافظ الأسد في الثمانينيات. والمفارقة التي يبرزها الفيلم هي أن المدة الزمنية التي استغرقها اقتحام بابا عمرو هي ذات المدة التي لزمت حافظ الأسد لاقتحام حماة، الشقيقة الأزلية تاريخياً وجغرافياً لحمص.

لهذا، لم تكن الأغنية الأخيرة في الفيلم من ساحات حمص، بل من ساحات حماة مع مقاطع وصور تمزج بين المدينتين والعمليات العسكرية القديمة والحديثة فيهما: "يلا نهتف سوا وننادي حرية، تحية من حماة لحمص العدية، تحية من حماة لرجال الأسود، بالخالدية رجال ما تهاب البارودة، وبابا عمر الرجال ما تهاب المنية".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024