التعليم في زمن العزلة

منيفة سويد

الثلاثاء 2020/03/24
اضطررتُ، مكرهة، على فكّ العزلة عن جهاز الـ"آيباد" في خزانة الثياب الصيفية. ثمة مهمة جديدة تنتظره في دارنا. سيفتحه الطفلان للإطلاع على واجباتهما المدرسية.

كنت أعرف أن طفليّ سيخدعانني. بحجة المدرسة، سيعودان الى ألعابهما الالكترونية التي منعتهما عنها، يوم استأنفا العام الدراسي عقب فتح الطرق في تشرين الماضي. لكن لا بأس.. ستكون تلك الألعاب منفذاً للضجر، وسأقبل الخديعة، طالما أن تواصلهما الاجتماعي سيُستأنف أيضاً بفعل العزلة. 

للمرة الأولى اشعر بخسارة في معركتي مع أطفالي. قادني "كورونا" الى هذا الانكسار.. وقادني قرار وزارة التربية بالتعليم من بُعد، الى هذه الهزيمة. كُسرت كلمتي أولاً، يوم أذعنتُ لرغبة المدرسة بتفعيل الجهاز اللوحيّ، أداة اللهو العابرة لكل محاولات السيطرة. وانكسرتُ مرة أخرى، عندما وجدتُ نفسي عالقة بين خانتين، إحداهما تتطلب حساب عائلتنا في المدرسة، والثانية رمز الدخول العاصي على التذكّر. 

لا بأس، سنحلّ هذه المعضلة بالبحث في أوراق المدرسة. فحالنا أفضل من أحوال الآلاف الآخرين من أهالي الطلاب الذين يصارعون الفروض المدرسية عبر مجموعات الواتسآب، ويتجمهرون أمام مركز الطباعة. 

في حساب المدرسة، شروحات مبسّطة للدروس، وواجبات على الطلاب حلّها. يدرك ولداي جزءاً منها، والجزء الآخر يتطلب شروحات بسيطة، أو تفسيرات لطريقة الحل. لا نتلقى رد الفعل، ولا تصحيحات للفروض، وذلك لتقصير منا في المتابعة.

والحال أننا، نحن الأمهات، في أحوج أوقاتنا لاختبار قدرتنا على التعليم، في زمن الاتكال على المدرسة ومعلماتها. قد تكون الأزمة أتاحت لنا الفرصة لاختبار طاقاتنا، مرة بالتعليم والتلقين، ومرة أخرى بالتحمّل. 

نصف المهمة اكتملت، والنصف الثاني ينتظر التطبيق. وفيما نمضي في تنزيل مقاطع الفيديو، يبقى إقناع الأولاد بالتعليم. فالحجر ينظر اليه الاطفال على أنه فرصة. عطلة طويلة من التعليم. أزجرهم، محاولة أن أدفعهم نحو الدرس. عبث. فالتعليم المنزلي لم يكن في يوم من الأيام جدياً. 

ثمة منافسة غير معلنة على اللوح الالكتروني الواحد، بين "البوب جي" والفروض المدرسية. فالتعليم على اللوح الالكتروني، يشبه الى حد كبير افتتاح صف دراسيّ في ملعب لكرة القدم. أداة واحدة للتعليم والتسلية.. وأداة واحدة للعزلة المنزلية في زمن "كورونا". 

الأم هنا، أشبه  بمدرب رياضي. يصارع المدرب لفرض جديّة على حصته الدراسية. تصارع الأم، مثله، لإضفاء جدية على الحصة الدراسية. ستنتهي المعركة بخسارة موصوفة، في انتظار نهاية موسم العزلة الكورونية. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024