الاقتصاص من المواقع الالكترونية.. قرار حكومي!

رين قزي

السبت 2020/06/13
لم تمضِ ساعات قليلة على إعلان الحكومة اللبنانية التحرّك قضائياً للجم "مثيري الشائعات" حول سعر الدولار، حتى تحرّك المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، متخذاً قراره بسحب التراخيص من عدد من المواقع الإلكترونية في بعض المحافظات. 
لم يوضح المجلس ماهية تلك المواقع، ولا عددها ولا شكلها، ولا آلية الرقابة التي دفعت لاتخاذ تلك القرارات. وهي على أي حال، قرارات سريعة جداً، أسرع مما يقوم به قضاء العجلة في الملفات العاجلة، وهي تثير الشكوك حول طبيعة التراكمات والملف الذي كونه المجلس عن تلك المواقع. 

والغريب أن سحب التراخيص، بمعزل عن قانونيته وتعارضه مع مبدأ الحريات، يتيح السؤال الضروري والملحّ عن كيفية منحها تراخيص في وقت سابق، تمهيداً لسحب التراخيص منها. وفق أي معيار جرى ترخيصها في السابق؟ ووفق أي معيار جرى سحب الترخيص منها؟ ومن هي تلك المواقع المحلية في المحافظات وما طبيعة دورها ومخالفاتها؟ ومن هو جمهورها؟ ومن هم القائمون عليها؟ ومن يقرر أن هناك خرقاً حصل من الأصل، أي لجنة، وأي، وأي مجلس، وأي جهة، وبأي صلاحية؟!

والاعلان عن الخطوة جاء في خبر مقتضب في الوكالة الوطنية، ونشره موقع وزارة الاعلام، مفاده: "سحب المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع العلم والخبر من عدد من المواقع الإلكترونية في بعض المحافظات، بعدما لجأت الى التشهير والإساءة والقدح والذم ونشر الأخبار الكاذبة، وبخاصة تلك التي روجت الإشاعات حول سعر الدولار". 

التشهير بمن؟ لا أحد يعلم. والإساءة لمن؟ والقدح والذم بمن؟ تلك الاسئلة لم يوضحها، ما يجعل الخطوة ملتبسة وغامضة، وهي تفتح مرة أخرى باب النقاش حول تنظيم المواقع الالكترونية وترخيصها والصلاحيات والعقوبات.. وبمعزل عن الموقف من المواقع المعرضة للعقوبات، وبينها مواقع كثيرة مخالفة وتخالف أصول الكتابة الاعلامية والمسؤولية الاجتماعية، تفتح هذه الخطوة النقاش أيضاً على تماهي المؤسسات الرقابية مع رأي السلطة. 

ولإجراءات السلطة تتمة. فقد أفادت صحيفة "الجمهورية" السبت بأن وزيرة الاعلام منال عبد الصمد أثارت عمل المواقع الالكترونية "التي تعتمد اسلوب التهويل على الناس وتوتير الاجواء وضرب الاستقرار"، فطلب منها مجلس الوزراء اعداد تقرير بالمؤسسات الاعلامية والمواقع الالكترونية التي ساعدت بعملية التحريض في الشارع!

وهنا يبرز التساؤل الأهم: هل باتت وزارة الإعلام جهة رقابة أو وشاية على الإعلام؟ وهل هكذا يكون "التنظيم" الذي رفعت لواءه الوزيرة عبد الصمد منذ تسلمها مهامها، والذي يفترض أنها "تتشاور" مع الجسم الإعلامي اللبناني لوضع معاييره وبنوده؟ وهل التحرك في الشارع، المنظم والحزبي منه، والعفوي أو المدفوع بمجموعات ثورة تشرين والمجتمع المدني، في حاجة إلى "تحريض" لكي يعبّر عن غضبه من حالة الإفلاس والانهيار التي تعانيها البلاد؟ وإلى متى سيظل الإعلام شمّاعة يُعلّق عليها فشل السلطة؟ وأكثر من ذلك: ما هي معايير "التحريض"؟ ومن يقررها؟ وبأي سلطة يُعمل بموجبها؟

وكلف مجلس الوزراء، وزيرة العدل، الطلب من النائب العام التمييزي، إجراء التعقبات بشأن ما أثير ويُثار من وقائع ملفقة لأحداث التدني في أوراق النقد الوطني، ما أدى الى "زعزعة الثقة في متانة نقد الدولة" وغيرها من الأفعال الجرمية. وطلب مجلس الوزراء من الأجهزة الأمنية، على اختلافها وتنوعها، التشدد في قمع جميع المخالفات، وإحالتها فوراً على المراجع القضائية المختصة تمهيداً لاتخاذ الاجراءات القانونية بحق المخالفين. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024