رسالة نزار زكا.. بين التحريض والتفاوض

بتول خليل

الأحد 2019/04/14

من داخل سجن إيفين في طهران، ظهر المرشّح اللبناني المعتقل، نزار زكا، في  اتصال هاتفي مباشرة على الهواء مع قناة "إل بي سي"، ليوجّه رسالة إلى المشاركين في انتخابات طرابلس الفرعية، داعياً أهلها إلى النزول إلى صناديق الاقتراع و"التصويت بضمير وعدم التصويت لنادي المليارات"، مؤكّداً أن ترشحّه جاء بهدف تمثيل كل لبناني مظلوم أو مخطوف يجدر الاهتمام به وبقضيته.


زكّا الذي اختار الترشّح عن المقعد الشاغر في طرابلس، والذي رفعت حملته الانتخابية شعار "الحرية للبنان"، كرر في رسالته اللوم والاستنكار من الموقف اللبناني الرسمي حيال قضيته، حيث لم يُصدر أي مسؤول لبناني بياناً رسمياً بخصوص اعتقاله، وتساءل: "كيف لهم أن يقبلوا أن يكون مواطن لبناني مسجون ولا يسألوا عنه؟ لا أعرف ماذا يحصل، ولمَ يسكت المسؤولون عن اعتقالي؟ فليقولوا إذا كانوا خائفين من حزب الله أو غيره".

يبدو زكّا، المعتقل في طهران منذ أيلول/سبتمبر 2015، مدركاً أهمية التسلل من بوابة حدث سياسي لتشكيل رأي عام عبر وسائل الإعلام، للفت النظر باتجاه قضيته. ففي حين اختار الحديث إلى "إل بي سي"، احدى القنوات الداعمة إعلامياً لقضيته منذ اعتقاله، أراد تحريك الرأي العام اللبناني والاقليمي ودفع قضيته إلى الواجهة، كونه مرشحاً لمقعد نيابي في لبنان ومعتقلاً تعسفياً في طهران، من قبل جهة مقربة من فريق لبناني، لم يحرّك ساكناً ويهابه المسؤولون اللبنانيون في هذه القضية.


يُدرك زكّا أن التركيبة والبيئة السياسية في طرابلس تجعل من كل من يرفع لواء التصدّي والمواجهة ضدّ "حزب الله" يكون مخوّلاً لاكتساب التأييد والتعاطف حوله، ما يجعل من رسالته التي تركّز على الإشارة الى أن تخاذل البعض في مواجهة الحزب قد يُكسب قضيته زخماً وتعاطفاً من الطرابلسيين، من خلال منح أصواتهم له، أمراً يصب في مصلحته ويُشكّل عاملاً ضاغطاً على المسؤولين الذين يتهمهم بعدم الاهتمام لاعتقاله ومعاناته، خصوصاً وأن الحكومة اللبنانية لم تنجح مساعيها في التوسط للافراج عنه، وهناك من يقول ان دورها لم يتعدّ إطار تعاملها مع الإيرانيين في ما يخص مصيره أكثر من إرسال مذكرات للرئاسة الإيرانية أو طرح السؤال عن مصيره، من دون أيّ ضغوط حقيقية قد تؤدي إلى إطلاق سراحه. 

لكن السؤال الابرز الذي يفرض نفسه عقب الحركة الإعلامية التي اتخذها زكا، المتزامنة مع انطلاق الانتخابات الفرعية في طرابلس، يتعلّق بماهية الموقف الإيراني لجهة السماح لخروج تصريح زكّا من داخل سجنه، وتسهيل مرور مواقفه ورسالته او في الحد الأدنى غضّ النظر عنه، ما يطرح فرضية أن تكون حركة زكّا رسالة تحاول عبرها ايران فتح كوة يمكن العبور منها لإطلاق نوعٍ من التفاوض أو الايحاء بأنّ إيران جاهزة لإبرام صفقة ما مع الأميركيين بخصوصه، استنادا الى تصريحات مسؤولين أميركيين داعمين لقضيته ومطالبين باطلاق سراحه. 

كما وأن اللحظة الآنية، وفي حال فتح باب جانبي للتفاوض مع الأميركيين وتفعيل قناة فاعلة للوساطة أو التواصل، قد تؤدّي في نهاية الأمر إلى تخفيف الضغوط الاقتصادية المتعاظمة مؤخراً تجاه إيران، خصوصاً وأن اعتقال زكّا بحد ذاته شكّل نوعاً من المأزق والحرج للإيرانيين، حسب ما صدر عن جهات ايرانية سابقاً، والتي اعترفت بأن اعتقاله خطأ وأنها فشلت بمساعدته، ما يُشكّل إشارة مساعدة قد تنبىء بأن الايرانيين يرغبون بإقفال ملف زكّا وفتح باب محتمل مع الأميركيين يسمح بإبرام صفقات أخرى.

حركة زكّا في مجملها، المترافقة مع ما يدور حولها من مؤشرات، تشير الى ان هناك أكثر من جهة فاعلة شاركت في هندسة الموقف الحالي، سواء لجهة ترشيحه أو لجهة مضمون تصريحه. ورغم الطابع الحقوقي الذي اتخذه شكل مناشدته، إلا أنه لا يمكن إقصاء الجانب السياسي عن حركته، كونها أتت مترافقة مع معركة الانتخابات الفرعية في طرابلس، التي مهما قيل عنها، إلا أنها تبقى معركة سياسية بامتياز، بينما الجانب التنموي لا يعدو كونه غطاءً يسعى الجميع إلى إضفائه على تلك المعركة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024