إسرائيل تُوتّر الجنوب اللبناني لفرض شروطها على التسوية الدولية

أدهم مناصرة

السبت 2020/09/12
لم يأخذ اللهب الذي وقع في مرفأ بيروت، الخميس، أي اهتمام إعلامي إسرائيلي لافت، ليس لأنه أقل كارثية من الانفجار الذي سبقه بشهر وخلّف ضحايا كثيرين وأضراراً مادية هائلة، بل لأن سابقه هو الأهم لمواصلة محاولات استغلاله إسرائيلياً من أجل فرض شروط تل ابيب الأمنية والسياسية في أي تسوية دولية مفترضة للمشهد اللبناني.


وكان الاستغلال الإسرائيلي المستمر لإنفجار مرفأ بيروت جليّاً في مقال كتبه الباحث في معهد "دراسات الأمن القومي" الإسرائيلي آساف أوريون، بعنوان "على حافة التصعيد: تجديد مهمة قوات اليونيفيل – أحد ضحايا انفجار المرفأ".

وكشف المقال عن شيء لم تعلنه المؤسسة الرسمية في الدولة العبرية على الملأ بشأن موقفها حيال تجديد مهمة القوات الدولية العاملة في لبنان "يونيفيل" لسنة جديدة، وهو الإحباط الإسرائيلي من أن انفجار مرفأ بيروت مررّ التمديد لليونيفيل بسلاسة ومن دون ضمان الشروط الامنية الإسرائيلية في جنوب لبنان، و"ذلك نتيجة التوقيت الذي شهدنا فيه تعاطفاً دولياً مع لبنان بسبب كارثة المرفأ".

قليلة هي المقالات العبرية التي توقفت بصراحة على عملية الاستغلال الإسرائيلي لإنفجار المرفأ، لكن اللافت في مقال أوريون، هو إقراره بوضوح بأن ثمة قضايا ملحة في لبنان بدلاً من أن تكون عوامل ضاغطة باتجاه تحقيق الشروط الإسرائيلية، باتت بمثابة معيقات أمامها، وهي: إعادة إعمار بيروت، والقيام بإصلاحات، والأزمة الاجتماعية - الاقتصادية الحادة، ومخاطر فيروس كورونا.

والحال أن النقاش الدولي ركّز على المطالبة بحكومة لبنانية قادرة على مواجهة التحديات سالفة الذكر، لدرجة أن هذا قد طغى على أي بحث مُعمّق في التوترات الأمنية على الحدود مع شمال فلسطين المحتلة.

وهنا، تعتقد إسرائيل أن انفجار المرفأ حوّل الانتباه إلى بيروت، لكنها تمارس دوراً علنياً وسرياً للدفع باتجاه أن تكون الظروف الحالية دافعاً لعدم تجاهل ما تصفه "الوضع المتفاقم في الجنوب اللبناني"، والذي يتناقض تناقضاً كبيراً مع الإحساس بعدم الإلحاح في مجلس الأمن، وفق مزاعمها.

وتفوح رائحة الامتعاض الإسرائيلي من صيغة التمديد لليونيفيل باعتبارها "لم تراعِ المتطلبات الإسرائيلية" وأن "العيوب الأساسية للقرار ليست في هوامشه بل في جوهره". ويواصل مقال أوريون نقده لتعبيرات قرار التمديد والتي "تُجمّل الواقع"، مثل "الإشادة بالبيئة الاستراتيجية الجديدة في الجنوب اللبناني التي أنشأتها اليونيفيل مع الجيش اللبناني (بينما في الواقع الوضع الأمني هناك اليوم هو أكثر خطورة بكثير مما كان عليه عند انتهاء الحرب في سنة 2006)، ويثني على الاستمرار في التقدم في ترسيم الخط الأزرق، وهي عملية عالقة منذ سنة 2016".

بعدها، حوّل المقال اللوم إلى الحراك الفرنسي في لبنان لكونه يسعى إلى استقرار النظام من خلال إصلاحه لا تغييره، وحاول توجيه رسالة إلى باريس عبر الزعم "أنه في نهاية الأمر، الانفجار في المرفأ والأزمة الاقتصادية هما وليدا النظام السياسي الفاسد في لبنان الذي دافعت فرنسا عن استقراره حتى الآن، والتي تحاول الآن إدخال إصلاحات عليه".

ولعلّ هذه النقاط النقدية تكشف رغبة إسرائيلية في "تصعيد عسكري تحت السيطرة" في الجنوب اللبناني، بغض النظر عن جدية حزب الله بالرد من عدمه على مقتل أحد عناصره في قصف إسرائيلي في سوريا في تموز/يوليو الماضي، لعلّه يكون ورقة ضغط على فرنسا وباقي الجهات الدولية لمراعاة المصلحة الإسرائيلية، وكان هذا واضحاً في الإدعاء "أن عدم منع التصعيد الذي تبرز مؤشراته في الجنوب اللبناني يعكس تفضيل فرنسا لاستقرار وهمي على معالجة مشكلات أساسية"، حسبما جاء في المقال.

وحتى تحرك إسرائيل المياه الدولية الراكدة بشأن الوضع الأمني في الجنوب اللبناني، يحث المقال العبري على ضرورة تعميق إسرائيل علاقاتها بفرنسا والولايات المتحدة من أجل دمج نواحٍ أمنية بمبادراتهما السياسية في بيروت. ويجسد كلام وزير خارجية إسرائيل، غابي أشكنازي، هذه الغاية، حينما أطلق تصريحاً مفاده أن "الحوادث الأمنية على طول الحدود الشمالية،. أكدت أكثر من أي شيء آخر الحاجة إلى قوات يونيفيل قوية وفعالة، لكن في نهاية الأمر ضمان أمن دولة إسرائيل يكون بواسطة قوتها الأمنية والسياسية".

إذاً، تريد إسرائيل الأمرين، قوات "يونيفيل" وضبط قوات حزب الله في الجنوب معاً. ولهذا عاد الإعلام الإسرائيلي في الأيام الاخيرة ليكثف حديثه مجدداً عن عملية مرتقبة لحزب الله خلال هذه الأيام عشية الأعياد اليهودية بالرغم من محاولات ثلاثة سابقة لم تنجح بحسب جيش الإحتلال الإسرائيلي.

ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن ضباط كبار في جيش الاحتلال، تهديدهم بأنه في حال قيام حزب الله بعملية عسكرية تؤدي إلى إصابات بشرية ستكون هناك حاجة للرد بقوة وجباية ثمن من الحزب لتغيير المعادلة، و"قد يستلزم الأمر حرباً تستمر أياماً". بينما ذكر موقع "واللا" أن تقدير الموقف السنوي للجيش الإسرائيلي هو أن حزب الله قد ينفذ عملية رد على مقتل أحد عناصره، ويقتل جندياً إسرائيلياً في الشمال.

وكان محلل الشؤون العربية في القناة الإسرائيلية "13" تسيفي يحزكيلي، زعم قبل أيام أن أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، يريد توجيه "رد عسكري غير مزعج لإسرائيل"، لعدم رغبته في الحرب، وأن ما يريده فقط هو حرف الأنظار عن نتائج انفجار مرفأ بيروت.

في المحصلة، تبدو إسرائيل راغبة بقوة في تصعيد محدود في جنوب لبنان، بدليل أنها تمهد له إعلامياً. تصعيدٌ مطلوبٌ من تل أبيب، كي يستدعي نقاشاً دولياً، فرنسياً وأميركياً بالدرجة الأولى، يؤول إلى وضع ما تسميه إسرائيل "حاجاتها الأمنية" على سلم أي مبادرة سياسية لإصلاح النظام في لبنان، فهل نشهد "معركة مشهدية" بين حزب الله وإسرائيل في الأيام المقبلة لتحقيق الغاية؟!

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024