الدراما اللبنانية تهين الصحافيين

نذير رضا

الثلاثاء 2019/05/28
لم يكن ممكناً الاجابة على سؤال كارين سلامة حين طرحت سؤالاً في صفحتها في "تويتر" قبل شهر، قائلة: "قديش رح يلعب الإعلام دور وكيف؟ ضمن مسلسل #خمسة_ونص مع الدكتور بيان ومراسلة القناة الثالثة كارين سلامه". 

كان السؤال استفهاماً، ويثير الفضول لمعرفة الدور الإعلامي، وقدرة الإعلام على التأثير في الرأي العام والتغيير؟ هل كارين سلامة ستؤدي دور إحدى معاونات بوب وودورد لاكتشاف فضيحة "ووتر غايت" الشهيرة؟ هل ستلعب دور ملهمة جوليان اسانج مؤسس "ويكيليكس"؟ هل ستكون هناك نسخة لبنانية من أوبرا؟ 

أسئلة كان يجب تفادي الاجابة عنها، لعلم الجميع بأن كارين حازت فرصة في تلفزيون "المستقبل" الذي صنع نجوماً حين كانت تطل عبر شاشته.. لكن ما أطلت به في الحلقة الأخيرة من مسلسل "خمسة ونص"، لا يطاول الصحافيين أنفسهم، ومهنة الصحافة ككل، بل يطاولها هي، وتاريخها، وتجربتها، ليستحيل السؤال: "كيف ارتضت كارين أن تطل في دور مشابه"؟ 

كان يمكن لأي ممثل، أو هاوٍ أو كومبارس، أن يجسد دور سلامة في المسلسل. فهو دور تافه، يظهر مواكبة اعلامية لحدث لبناني مفترض، لا يغير شيئاً في تجربة كارين الاعلامية، ولا يقرّبها من التمثيل التلفزيوني، رغم أن الأخير هو حلم كثيرين، وقد تجسد في تجارب كثيرة لسنا في وارد تعدادها الآن. 

تغطي كارين حدثاً شاركت في صناعته النائبة الدكتورة بيان (الممثلة نادين نجيم)، فتظهر في حماسة إعلامية وشخصية، كـFan للممثلة نادين نجيم التي تستلهم الدور من تجربة النائبة بولا يعقوبيان الى حد كبير. ليرسم بهذا الخليط الرمزي صورة أكثر واقعية لنجومية النساء اللواتي يظهرن في التلفزيون، خارج الكادر التمثيلي، ويهبطن الى تصنيف طبقي يقوم على تثبيت المرأة السياسية في الطبقة الأولى، والممثلة التي تستلهم في الطبقة الثانية، والإعلامية، كتابع ومرافق ومشجع، وربما في المرتبة الثالثة أو أقل. 

لماذا ارتضت كارين هذا الدور؟ لا جواب على السؤال سوى الافتراضات بأن تظهر في مسلسل يحقق نسبة مشاهدة عالية. 

والواقع أن تجسيد الدور، بشخصية إعلامية معروفة، هو إذلال واضح للعاملين في القطاع، وتتفيه لمهام الإعلامي كمُواكب لحدث، وليس كصانع له. وكتابع لشخصيات الحدث، ويقتات على الأحداث من موائد الفقر أو رجال المال والأعمال والسياسة. 

ففي مشاهد سابقة، تتسرب صور الدكتورة بيان مع نجل الغانم (الممثل قصي خولي) في خطة محكمة من الغانم، رجل السياسة المعروف، لإثارة شائعة. سرّبت سلامة الصور، من غير أن تدرك أنها استُعملت في أسلس عملية تمهيد دعائي لانتقال السلطة، ومن ثم نقلها عبر التوريث السياسي.

وحين واجهها في مقابلة بأنه يعلم انها التي سرّبت، علماً أنه هو الممهد للعملية ومستخدم سلامة في عمليته، بدت هناك رسالة بأن الإعلام يقتات على الخبر ولا يصنعه، وهو ضحية لمخططات السياسيين ورجال الأعمال. وفي المشهد نفسه، ترجو الزعيم المفترض (يمثل دوره رفيق علي أحمد) بسؤال أخير، لكنه يقاطع ويغادر كنبته ويتركهم.

ثمة إهانة بصرية تستدعي التحرك ضد هذا النوع من التصوير. وتستدعي أن يعدّل الاعلاميون قليلاً قراراتهم لناحية القبول أو الرفض لمشاهد مشابهة. الاعتراض لا يتعلق بمسلسل "خمسة ونص" فحسب، بل بمسلسل "الهيبة" أيضاً حيث ظهرت الإعلامية، صانعة الاحداث، تابعاً لرجل السياسة والمال، ذلك القادر على ابعادها عن الشاشة، والتشكيك في إنجازاتها، وشراء المحطات، ومحاصرة الإعلاميين، وصناعة نجمات أخريات، وشرائهن بالمال. 

الاعلام في الدراما اللبنانية، ليس سلطة رابعة. هو "خزمتشي" عند الزعيم، وعبد وليّ نعمته المفترض، وهو أسوأ تصوير لمهنة الصحافي في الإعلام.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024