الشهابي ملاك "لنا".. اصطفافات جديدة لسامر فوز ورامي مخلوف؟

وليد بركسية

الثلاثاء 2019/09/17
أغرب ما في انطلاقة برنامج "حكايتي" الذي بثت قناة "لنا" الموالية للنظام السوري، في حلقته الأولى مساء الاثنين، ليس كمية المجاملات والتلميع التي قدمتها الإعلامية رابعة الزيات لضيفها فارس الشهابي، عضو مجلس الشعب ورئيس اتحاد غرف الصناعة، بل تصدّره "الترند" في لبنان من دون سبب واضح أو جدل حقيقي. إلى درجة أن مستخدمين عرباً عبّروا عن انزعاجهم من حملة إعادة تغريد تقوم بها صفحات إلكترونية، لتغريداتهم التي تضمن عنوان البرنامج في سياقات شخصية مختلفة.


ومنذ الإعلان عن البرنامج وإطلاق إعلاناته الترويجية، كان من الواضح أنه مجرد برنامج دعائي آخر يهدف إلى تلميع صورة مسؤولين وشخصيات عامة موالية للنظام السوري. وهو بالتحديد ما حصل في حالة الشهابي، الذي حولته الحلقة إلى ملاك منزّه عن الأخطاء، وصوّرته كشخص وطني فقط، بالابتعاد عن طرح الأسئلة الجدلية التي يجب إثارتها مع شخصية مشهورة بتغردياتها العنصرية ضد السوريين أنفسهم، في أقل تقدير، وصولاً إلى التساؤلات اللازمة حول دوره في قضايا مثل احتضار الصناعة الحلبية أو علاقاته مع صناعيين جدد برزوا بعد الحرب في البلاد.



ورغم أن البرنامج يشكل نقلة في مسيرة الزيات من برامج الحوارات الفنية التي اشتهرت بها في قناة "الجديد" قبل سنوات، إلى الحوارات السياسية والاقتصادية، إلا أن الزيات تبقى مثلما هي من دون جديد فعلاً، بل تنقل معها أسلوب حوارها الفني الكلاسيكي، القائم على "التهذيب والرقي"  لطرح أسئلة بديهية وشديدة العمومية على ضيفها. وقد يكون هذا الأسلوب هو الأكثر نجاعة لأنسنة شخصيات مثل الشهابي الذي لطالما دعا إلى حملات إبادة جماعية وعبّر عن آراء عنصرية، حتى ضمن الحلقة نفسها.

هذه الأنسنة الممنهجة ركزت على تفاصيل مثل وطنية الشهابي وحبه لمدينته حلب وكرهه لشخصيات يكرهها الموالون للنظام السوري مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبالطبع المجاهرة بعبارات التشبيح المبالغ فيها للرئيس الأسد، وصولاً لتقديم صورة عن الشهابي، كأب وزوج عطوف ومحب يشتاق لعائلته بسبب ضغوط "الواجب الوطني"، وأيضاً كرجل يحمي "الأنثى الخائفة"، عند وجود أصوات تفجيرات في أحد المصانع التي تم فيها التصوير، وأدى لخوف الزيات ورغبتها في إيقاف التصوير.

وللحظة، بدت كل هذه الكمية من التلميع غير متناسبة مع مستوى شخصية الشهابي كرجل أعمال وعضو في مجلس الشعب، خصوصاً أن الإعلام السوري عادة لا يقدم هذه الدرجة من البروباغندا إلا عند التعاطي مع عائلة الأسد نفسها! وتجلى ذلك في الحديث عن طفولة الشهابي وزيارة أماكن يحبها باتت دماراً مثل المسجد الأموي وأسواق حلب القديمة، والتي كانت مناسبة جيدة لضخّ قليل من المعلومات الزائفة حول المعارضة بالقول أنها كانت مسؤولة عن دمار حلب، رغم أن النظام كان مسؤولاً عن تدمير المدينة القديمة أثناء حملته الدموية على أحياء حلب الشرقية العام 2016.

وفيما تم الترويج للحلقة من باب جرأة الشهابي ولسانه السليط الذي يسمي الأمور بمسمياتها، خلا الحوار من أي "نميمة مثيرة"، بعكس حوار سابق للشهابي عبر قناة "الإخبارية" الرسمية في شهر شباط/فبراير الماضي، تحدث فيه عن قضايا التهريب والتعفيش مهاجماً شخصيات مثل "أبو علي خضر"، وكان ذلك الخروج عن النص سبباً كافياً لسحب المقابلة من التداول حينها. وأتت حلقة "حكايتي" لتشيد فقط بتلك "المواقف البطولية" و"الشجاعة" ضد "دواعش الداخل"، مثلما يطلق عليهم الشهابي.

والحال أن المقابلة بصورتها الحالية تثير تساؤلات حول الهدف منها، وعلى موضع قناة "لنا" التي بدأت تتحول تدريجياً من قناة منوعة تبثّ المسلسلات الدرامية إلى قناة أكثر التصاقاً بصاحبها رجل الأعمال سامر الفوز من الناحيتين السياسية والاقتصادية. فالشهابي تعرض في شهر أيار/مايو الماضي لهجمات من صحيفة "الوطن" شبه الرسمية التي يمتلكها رجل الأعمال الآخر رامي مخلوف، الذي تجمعه قرابة عائلية مع رئيس النظام بشار الأسد، وصولاً إلى هجمات من صفحات إعلامية واسعة الانتشار مثل "دمشق الآن".

وربما يشير تلميع صورة الشهابي، في هذا التوقيت، إلى هذه التحالفات الجديدة بين "حيتان الاقتصاد" السوري، والصراعات الجديدة التي بدأت تتضح معالمها في هذا الإطار، علماً أن سامر فوز أقام في أواخر شهر أيار/مايو الماضي مأدبة إفطار بمناسبة شهر رمضان مع مجموعة من رجال الأعمال غاب عنها مخلوف، وحضرها الشهابي والتقطت فيها صور السيلفي في فندق "فورسيزنز".

يتقاطع ذلك مع إعادة تعويم اسم الشهابي كمرشح لمنصب رئاسة الحكومة، مثلما كان عليه الحال العام 2016، عندما كانت وسائل إعلام لبنانية موالية للنظام السوري تطرح اسم الشهابي كمرشح أول لتولي منصب رئيس الوزراء الذي ذهب حينها لرئيس الوزراء الحالي عماد خميس. وأصرت الزيات مراراً وتكراراً على طرح تعليقات وأسئلة حول المنصب الحكومي، رغم نفي الشهابي رغبته في ذلك، حتى أنها تحدثت مع زوجته في نهاية الحلقة عن هذا الطموح وهذه الرغبة.

وفق هذه الرؤية، ربما تتموضع قناة "لنا" في واجهة الاصطفافات السياسية الجديدة الآخذة بالتشكل ضمن النظام نفسه، وكان ذلك واضحاً لدرجة أن مجموعة من جمهور القناة عبروا في "تويتر" عن قلقهم من أن يكون ذلك نهاية القناة التي تبث من بيروت، لأن تهمة التخوين ستكون جاهزة في حال انقلاب موازين القوى ضد رجال الأعمال الذين تدافع عنهم القناة. وهو ما ستشكف عنه الفترة المقبلة من دون شك.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024