فرنسا تبشّر بعودة الربيع العربي.. من بيروت

حسن مراد

السبت 2019/10/26
على سبيل الدعابة، يُقال إنه لو تمكن أحد الأجانب من الإحاطة بكل جوانب الحياة السياسية اللبنانية، فبالضرورة أنه استوعب الأمور على نحو خاطئ. لكن تعقيدات المشهد اللبناني، خاصة بعد 17 تشرين الأول/أكتوبر، لم تحل دون غوص الاعلام الفرنسي في الملفات اللبنانية الشائكة والتي تداخلت فيها العوامل السياسية بالاقتصادية. 

في اليومين الأولين لاندلاع التظاهرات في لبنان، اكتفت الصحف والمواقع الالكترونية الفرنسية بنقل الاخبار الآتية من بلد الأرز مع توخي الحذر في التحليل، ربما بانتظار اتضاح الصورة. وأجمعت خلال هذين اليومين على أن فرض الضريبة على مكالمات الواتساب لم تكن سوى القشة التي قسمت ظهر البعير بفعل تأزم الوضع الاقتصادي الداخلي، لدرجة تشبيه التظاهرات بـ"عودة الربيع العربي" بحسب الموقع الالكتروني لإذاعة  France Culture .

من ناحية أخرى كان عددٌ من هذه الصحف والمواقع يحيل قرائه إلى تتبع صحيفة الـ L'Orient-le-Jour بعدما تحولت إلى مصدر للمعلومات للإعلام الفرنسي.

لكن مع الزخم المتصاعد للاحتجاجات، فُرض على الصحف الفرنسية التوسع بالتغطية. توسع لم يمحُ مزاج الخيبة والامتعاض في أوساط الجالية اللبنانية التي اعتبرت هذه التغطية خجولة نوعاً ما، إلى جانب نظرتهم السلبية للموقف الرسمي الفرنسي بعد اعلان وزارة الخارجية عن دعمها للورقة الإصلاحية.

في هذا الإطار، يتوجب التنويه إلى أن أحداثا دولية استحوذت على الاهتمام الأكبر للصحافة الفرنسية، خلال الأسبوع المنصرم، لا سيما مفاوضات البريكست لما لها من انعكاس مباشر على البيئة السياسية والاقتصادية الفرنسية.

في عدد Le Monde الصادر بتاريخ 25 تشرين الأول، كان الحدث اللبناني خبرا أولا وذلك للمرة الأولى منذ  17 تشرين الأول/أكتوبر تحت عنوان لافت للقارئ الفرنسي "صحوة الشارع الشيعي" في إشارة إلى المظاهرات التي شهدتها مدينتي صور والنبطية، فاعتبر مراسل الصحيفة في بيروت بنجامان بارت أن التحركات التي عرفتها هذه المنطقة تعتبر سابقة. وبما أن شريحة من الرأي العام الفرنسي تنظر بسلبية إلى أنشطة حزب الله السياسية والعسكرية، احتل هذا الموضوع الصفحة الأولى لعدد الـ Le Monde فكان أشبه بجرس إنذار للفت الأنظار إلى تطورات المشهد اللبناني.

والحال أن هذه الصحيفة كانت الأكثر نشاطاً على صعيد التغطية خاصة لناحية تناول الحدث من عدة زوايا: فتطرقت إلى طبيعة النظام السياسي الطائفي الذي ساهم بدوره في استفحال الأزمة، إلى جانب تسليط الضوء على دخول جيل جديد معترك الشأن العام وصولا إلى اعتبار المظاهرات محطة وأدت الحرب الأهلية بصورة عملية.

ولم تكتفِ Le Monde بتنويع مواضيعها، بل شمل التنوع أيضاً أسلوب التغطية: فمن على موقعها الإلكتروني وفرت منصة للقراء كي يطرحوا اسئلتهم واستفساراتهم، اسئلة تكفل بنجامان بارت بالإجابة عنها.

من جهته، فإن موقع Huffpost الإخباري بنسخته الفرنسية، بادر إلى تجميع صور يعود معظمها لمتظاهرين وهم يرفعون يافطات. وقام الموقع بترجمتها للفرنسية وشرحٍ ماهيتها حتى يطلع متصفحوه على أجواء التظاهرات وأهدافها.

وتميزت صحيفة Le Figaro بتغطيتها من خلال فتح صفحاتها لكتاب لبنانيين: فكانت مقالة للكاتب والأستاذ الجامعي نبيل ملاط حملت عنوان "لبنان: أزمة نظام؟" عدد فيها ستة أسباب حالت دون تعامل السلطة اللبنانية بعقلانية مع الحدث، معتبراً أن المطلوب بالدرجة الأولى حلول سياسية قبل الاقتصادية.

أما الباحثة مايا خضرا فشبهت ما يجري في لبنان بحركة السترات الصفر لا سيما وأن الشارع في كلا البلدين تجاوز الأحزاب السياسية التقليدية، تشبيه كان دون شك لكسب تعاطف وتأييد الشارع الفرنسي مع التظاهرات اللبنانية خاصة إذا ما نظرنا إلى ميول خضرا السياسية.

صحيحٌ أن المشهد اللبناني بات سياسياً بالدرجة الأولى، لكن ذلك لم يمنع صحيفة  Les Echos من التركيز على الجانب الاقتصادي. فهذه الصحيفة الاقتصادية تراقب منذ مدة التطورات الأخيرة في البلاد من اعتماد الحكومة لسياسة تقشفية وصفتها الصحيفة بالتاريخية، كما أزمة الدولار.

إلى جانب تشريح Les Echos لحالة لبنان الاقتصادية وربطها بمؤتمر سيدر، كان لجاك هوبير روديه تحليل أخرج فيه الحدث من اطاره الداخلي الصرف، فربط ما يجري في لبنان بالحركات الاحتجاجية في أصقاع العالم من هونغ كونغ إلى بغداد والخرطوم والجزائر مروراً بباريس وبرشلونة وصولاً إلى سانتياغو. برأي روديه القواسم المشتركة بين هذه الأحداث كثيرة: هي تعبيرٌ عن حالة من عدم المساواة الاجتماعية ليس فقط بين الميسورين والفقراء، بل أيضاً بين الطبقة الميسورة والمتوسطة، هذه الأخيرة التي همشتها العولمة.

من جانب آخر، اعتبر روديه أن ما يجري داخل هذه الدول فيه ممارسة للديمقراطية المباشرة على حساب الديمقراطية التمثيلية، أمرٌ اتاحته وسائل التواصل الاجتماعي.   

حتى اللحظة لم يحتل الحدث اللبناني صدارة الصحف الفرنسية، فلم تخصص له أي صحيفة عددا خاصاً، لكن ذلك لا ينتقص من أهمية هذا الملف في دوائر القرار الفرنسي، ليس فقط للعلاقات التاريخية بين البلدين ولكن أيضاً للظرف السياسي والإقليمي المرتبط بهذا الملف لا سيما وأن سعي حزب الله لإجهاض التظاهرات ليست خافيا على أحد. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024