ارتباك إسرائيل حيال توتّر الجنوب: روايتان.. التنبّؤ ثم التبنّي

أدهم مناصرة

الخميس 2020/08/27
إعلانٌ عن حدث أمني ثم استنفارٌ فمواكبة لعملية عسكرية "مشهدية" لإفشال هجوم من حزب الله، وبعدها كأن شيئاً لم يكن... إذ ينتهي الحدث المزعوم ويعود الهدوء المعهود.. 

هكذا هي مرحلية الإعلام الإسرائيلي في تغطيته للتصعيد المضبوط "غير المفهوم" والذي وقع على الحدود الشمالية مع لبنان، ليل الثلاثاء الماضي، باعتباره الثاني من نوعه في غضون أسابيع.

إتّسمت تغطية إعلام إسرائيل أثناء وقوع الحدث الأمني بالتخبّط والتنبؤ أكثر من القدرة على سرد معلوماتي دقيق لما يحدث أولاً بأول.. 

التلفزيون الإسرائيلي "مكان"، كغيره من وسائل الإعلام العبرية، استضاف محللين عسكريين تحدثوا عن افتراضات في البداية، لا معلومات حاسمة، بشأن وقوع عملية تسلل مقاتلين من حزب الله مستندين إلى "ثغرة تم كشفها عند الجدار على الحدود مع لبنان ثم إطلاق قنابل ضوئية لتتبعهم".. حتى جاء البيان العسكري لمجرد انتهاء العملية ليحسم ما حدث بوقوع "عملية قنص فاشلة" وأن إطلاق القنابل الضوئية كان لغاية كشف مسلحي حزب الله الذين أطلقوا الرصاص.

وحتى بعد انتهاء "الحدث الأمني المزعوم" لم يخلُ تحليل الاعلام العبري من التخمين بشأن كيفية وقوع عملية القنص.. فبينما ذكر في بادئ الأمر أن إطلاق النار من قناصة حزب الله تم اتجاه نقطة عسكرية ثابتة، عاد بعد يومين ليبث البيان التوضيحي الثاني من جيش الاحتلال الذي يدّعي أن خلية حزب الله أطلقت رصاصتين من منزل في منطقة قرية الحولة تجاة قوة للجيش الإسرائيلي (ليس نقطة عسكرية ثابتة كما قيل) من مسافة 200 حتى 300 متراً، بعدما "كشفت نفسها لثوانٍ بغية إصلاح وسائل المراقبة، وقد أخطأ إطلاق النار القوة العسكرية، وسمع صوت ارتطام الرصاصتين في منطقة المنارة".

وارتباطاً بهذه الرواية، تقول القناة "12" إن قيادة المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي فكرت في اختطاف الخلية بادئ الأمر، إلا أن رئيس الأركان الإسرائيلي قرر "لا".. لكن، بيان جيش الاحتلال لم يتطرق إلى ذلك لاحقاً، كما أنه من الناحية اللوجستية لا يُمكن تحقيق ذلك ما دمنا نتحدث عن مسلحين على بعد مئات الأمتار.

الحال، أن الصحافة العبرية بمختلف أشكالها لم تقدم أجوبة على أسئلة من قبيل: لماذا يضطر الجيش الإسرائيلي إلى إصدار بيانين ليروي حقيقة ما جرى؟!.. هل احتاج الأمر كل هذا العناء من التحقيق؟!.. ثم، لو افترضنا صحة الرواية بشأن عملية القنص: هل قصد مقاتلو حزب الله إطلاق الرصاصتين ضمن استراتيجية ارباك العدوّ من دون قتل أو إصابة جندي واحد منعاً للحرب؟!.. وهل استطاع جيش الاحتلال تحديد مكان خلية حزب الله المفترضة ورفض اغتيالها؟!.

تبدو كما لو أنها حربُ أشباح وخيالية.. جنودٌ إسرائيليون يطاردون أو يحيّدون "شبح" حزب الله. بيدَ أن صحيفة "إسرائيل اليوم" المقربة من بنيامين نتنياهو، حاولت أن تجيب على سؤال مفاده "هل انتهت الحكاية؟!"، عبر عنوان تحليلي عنوانه "حزب الله فشل، لكن الحساب في الشمال ما زال مفتوحاً".

اللافت أن تلفزيون "مكان" الذي أذاع البيان العسكري الإسرائيلي فور وقوع "الحدث المزعوم" خصص تقريراً منفصلاً يغطي الرواية الرسمية للبنان التي نفت وقوع إطلاق نار من جهته سوى اعتداء إسرائيلي من جانب واحد، لكن مع محافظة هذا التلفزيون الرسمي على تبنيه لرواية جيش الاحتلال، سواء كان مقتنعاً بها أم لا.

بغضّ النظر عن ماهية "الحدث الأمني" المذكور، إلا أنه على خلفيته تجدد نقاشٌ في الأروقة الإسرائيلية الإستراتيجية بشأن مخرجات تقرير "مراقب الدولة الإسرائيلية" الذي نُشر مطلع الشهر الحالي وأظهر قصورات جوهرية في توفير وسائل التحصين والدفاع لمستوطنات في المنطقة الشمالية بغية حمايتها من الصواريخ.

لم تتردد صحيفة "معاريف" العبرية من إعادة نشر ما جاء في نتائج التقرير سالف الذكر، والتي وجدت أن نحو 50 ألفاً من "سكان إسرائيل" الذين يقطنون حتى مسافة 9 كيلومترات من منطقة الحدود الشمالية لا تتوافر لديهم أماكن حماية معيارية بالقرب من أماكن سكناهم.

وفي مستهل اجتماع لنقاش الأمر، قال رئيس لجنة رقابة الدولة في الكنيست عوفر شيلح "إن أحداث الليلة قبل الفائتة في منطقة الحدود مع لبنان تجسّد خطر الانفجار في منطقة الحدود الأشد خطراً بالنسبة إلى إسرائيل. هناك أكثر من 100 ألف قذيفة ذات رؤوس متفجرة موجهة نحو شمال إسرائيل، وقوة الردع المتبادلة بيننا وبين حزب الله يمكن أن تنهار في أي لحظة، والرد الدفاعي الذي توفره الحكومة الإسرائيلية لملايين السكان أقرب إلى درجة الصفر".

والحال، أن الرقابة الإسرائيلية لم تمنع "معاريف" من نشر هذا النقاش رغم أنه يعرّي مكامن الضعف الإسرائيلي أمام حزب الله، حتى أنها واصلت سرد ما جرى خلال النقاش داخل اللجنة، وما قيل بشأن عدم نجاح خطة "درع الشمال" في تحقيق غايتها الرامية إلى تحصين المنطقة الشمالية، والتي بلغت ميزانيتها 5 مليارات شيكل وأعلنتها الحكومة الإسرائيلية قبل أكثر من سنتين.

وتعلق الصحيفة قائلة: "لم تؤدِ إلى تحصين حتى مبنى واحد، وذلك بسبب عوامل كثيرة، بينها النقاشات الدائرة بين وزارتي المال والدفاع".

وبدا هذا النقاش النقدي الداخلي في إسرائيل، بمثابة محاولة لتحديد مكامن الخلل والضعف، من أجل معالجتها من قبل الجهات المختصة، خصوصاً أن رئيس قسم التحصين في قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، العقيد دافيد أبعدا، هو ايضاً اعترف بأن "خطة التحصين" لم تتقدم إلى الأمام بصورة جوهرية.

وبموازاة الحديث عن "أحداث أمنية" على حدود لبنان من دون الإجابة على العديد من الاسئلة الصحافية، يسلط الإعلام العبري الضوء على كيفية الاستثمار السياسي من قبل إسرائيل لهذه الوقائع الأمنية "المختلقة أو الحقيقية".. بدليل أن وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي، طار إلى ألمانيا، منتصف الأسبوع، حتى يشكرها على تصنيف حزب الله "منظمة إرهابية"، ويطالبها أيضاً بأن تبذل جهوداً لإقناع دول أوروبية أخرى لتتخذ الموقف ذاته.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024