الحكم على النظام السوري في قضية كولفين..يجدد الأمل جزائياً

المدن - ميديا

الجمعة 2019/02/01
رغم أن الحكم الذي أصدرته محكمة أميركية، بتحميل النظام السوري، مسؤولية قتل الصحافية الأميركية ماري كولفين، العام 2012، لم يتضمن أي إشارة للشق الجزائي المتعلق بمحاسبة رموز النظام على جرائم الحرب المرتكبة في البلاد، إلا أنه يشكل نصراً للسوريين ورداً أخلاقياً على الدعوات والمبادرات المتكررة لإعادة تعويم النظام مع نهاية الحرب.


وأصدرت المحكمة الفيدرالية في مقاطعة كولومبيا الأميركية، الخميس، حكماً يقضي بدفع تعويضات مالية لدور الحكومة السورية في مقتلها، وإلزام الحكومة السورية، بدفع تعويضات مقدارها 2.5 مليون دولار، إلى جانب نحو 11.8 ألف دولار كتكاليف جنازة. لكن القاضية آمي بيرمان جاكسون قررت تأجيل البت في مطالبة عائلة كولفين بتعويضات إضافية تبلغ 300 مليون دولار إلى وقت لاحق.

طبيعة الدعوى التي رفعتها شقيقة كولفين، كاثلين، وأطفالها الثلاثة، من ناحية بحثها عن تعويضات مالية بدلاً من المحاسبة الجزائية، أثار انتقادات من بعض المعلقين السوريين في مواقع التواصل الاجتماعي، لكن حقوقيين بارزين، رأوا في القضية أن العدالة تأخذ مجراها أخيراً، من بينهم أنور البني، رئيس المركز السوري للأبحاث والدراسات القانونية.

وأشار مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، إلى أن الحكم يتضمن شقين، فإلى جانب التعويض المالي، يتضمن اتهاماً لنظام الأسد بتعمد استهداف الصحافيين بهدف إسكات تقاريرهم، وبالتالي يعتبر الحكم "نصراً لجميع تضحيات الاعلاميين في سوريا ضد نظام الكيمياوي"، حسبما نشر عبر صفحته الشخصية في "فايسبوك".



إلى ذلك، أشارت مصادر إعلامية في الولايات المتحدة، إلى أن للولايات المتحدة القدرة على إجبار النظام على تسديد الغرامة كاملة من خلال استخدام أصوله في الأراضي الأميركية إن وُجدت، أو التقدم بطلب لتجميد ثم تصفية أصوله في مكان آخر كأوروبا أو عدد من الدول اللاتينية حيث هناك معاهدات ثنائية لإنفاذ الأحكام، وفقاً لخبراء أميركيين.

وقالت المحكمة الفيدرالية أنها "مقتنعة" بأن "الجمهورية العربية السورية" متورطة في عملية "إعدام مواطنة أميركية خارج نطاق القضاء"، عبر "التخطيط والتنفيذ للهجوم على المركز الإعلامي في حي بابا عمرو"، بحسب نص الحكم الذي جاء في 36 صفحة.

وجاء في نص الحكم أيضاً أن "الحكومة السورية كانت تعلم برحلة صحافيين أجانب في الحي"، وأنهم كانوا يدخلون للحي عبر قنوات المياه، "فجعلت تحديد موقع المركز الإعلامي ضمن أولوياتها"، موضحة أن فرع الأمن العسكري في حمص أصدر تعليماته لقوات النظام بالقبض على الصحافيين الأجانب في المدينة. كما تم استخدام أجهزة مثبتة على سيارات في محيط الحي، لاعتراض الاتصالات التي تجري عبر هواتف القمر الصناعي، إلى جانب تجنيد جواسيس للحصول على إحداثيات المركز الإعلامي وتحركات الصحافيين.

كما سرد نص القرار تفاصيل الاتصالات التي كان قد أجراها اللواء رفيق شحادة، رئيس الفرع الذي أصبح لاحقاً رئيساً لشعبة المخابرات العسكرية، مع الجواسيس في المنطقة لتحديد مكان تواجد الإعلاميين، كما تم رصد إشارات الاتصال خلال إجراء كولفين مقابلات مع محطات تلفزيونية عالمية. وفي يوم مقتل كولفين وزميلها المصور الفرنسي، ريمي أوشليك، كان القصف المدفعي والصاروخي من جانب قوات النظام السوري يتركز على المنطقة المحيطة بالمركز الإعلامي، ضمن رشقات لتصحيح دقة التصويب على الهدف، قبل أن يستهدف صاروخ المركز بشكل مباشر.

ونقل نص القرار شهادات تفيد باحتفال شحادة مع ضباط من قوات النظام ومخابراته بقصف المركز الإعلامي، حيث "هنأهم على نجاح العملية، وتناولوا الخمر احتفالا"، وبحسب الشهادة ذاتها، فقد ركز المحتفلون على كولفين، ووصفوها "كلبة وقد ماتت". كما هنّأ ماهر الأسد، شقيق الرئيس بشار الأسد، شحادة على نجاحه في العملية، ومنحه سيارة جديدة كمكافأة له، وتم تعيينه لاحقا رئيساً للمخابرات العسكرية في دمشق (قبل إقالته العام 2015) كما أورد نص قرار المحكمة، الذي خلص إلى أن "القتل كان متعمداً"، وأنه يمثل "عملية إعدام خارج نطاق القضاء".



ورغم أن الحرب الأهلية في سوريا بدأت أصلاً قبل ست سنوات باتهامات للاستخبارات السورية وأجهزة الأمن السرية بارتكاب عمليات تعذيب ضد أطفال ومراهقين، وتصاعدت لاحقاً لتبلغ مستوى اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، عطفاً على عمليات القتل الجماعي المروعة التي قام بها النظام السوري ضد المدنيين، إلا أن نظام القانون الدولي فشل في محاكمة أي مسؤول سوري عن ذلك.

وبقدر ما تبدو الحقيقة السابقة محبطة بالنسبة لأولئك الذين يريدون محاكمة الرئيس السوري بشار الأسد، وكبار المسؤولين الآخرين في النظام بشأن جرائم أشد خطورة مثل استخدام الأسلحة الكيميائية، وقصف المستشفيات، واحتجاز وتعذيب عشرات الآلاف من الناس، إلا أن الحكم في قضية كولفين يعطي قليلاً من الأمل بهذا الصدد، لكونه يتضمن إدانة للنظام حتى لو خلا من إدانة لأي شخصية من شخصياته بشكل مباشر.

وهنا، قال ديكسون أوزبورن، المدير التنفيذي لـ"مركز العدالة والمحاسبة"، وهو يمثل جماعة أميركية معنية بحقوق الإنسان أقامت الدعوى نيابة عن أسرة كولفين، أن تلك الدعوى كانت الأولى التي سعت لتحميل حكومة الأسد المسؤولية عن جرائم حرب. وبعد رفعها بدأت إجراءات قانونية مماثلة في دول أوروبية منها ألمانيا ضد الحكومة السورية. وأضاف أن الحكم قد يمهد الطريق أمام المزيد من المحاسبة لأفعال الأسد.

وبالتالي، قد يشكل القرار، أسلوباً جديداً للحقوقيين السوريين والعالميين لمطاردة النظام، وتثبيتاً لحقيقة ارتكابه لجرائم حرب، بدلاً من مطاردة رموزه لمحاسبتهم، خصوصاً أن الجهود المماثلة عانت انتكاسات مخيبة للآمال. ففي تموز/يوليو العام 2017 على سبيل المثال، رفضت محكمة هناك قضية اتهمت كبار المسؤولين السوريين بارتكاب جرائم حرب في وفاة رجل رصدت شقيقته جثته بين صور ضحايا التعذيب المنشورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما قام أحد المنشقين عن النظام بتهريب الصور من سجون الحكومة السورية.



السبب الرئيس في رفض المحاكم المحلية لتلك الدعاوى، هو حصول الجرائم خارج نطاق أراضيها أو سلطتها، حتى لو كان الضحايا مواطنين أجانب، ما يجعل تلك الجرائم من مسؤولية القانون الدولي والمحاكم الدولية، لكن استخدام حليفة النظام روسيا، لحق النقض "فيتو" في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة منع محاولات الولايات المتحدة وحلفاءها من إحالة المشتبه فيهم من جرائم الحرب السورية إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.

يذكر أن كولفين اشتهرت بتغطيتها في مناطق الحروب، وفقدت إحدى عينيها خلال تغطيتها أحداثاً في سريلانكا العام 2001. كما تواجدت في ميدان التحرير في القاهرة خلال ثورة 25 يناير 2011، وانتقلت أيضاً إلى ليبيا خلال ثورتها. وسبق أن قابلت الزعيم الراحل معمر القذافي العام 1992 بعد قصف طرابلس.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024