السلطة تستعير من روسيا أدوات إحتواء المتظاهرين

نذير رضا

الأحد 2018/12/23

لم تنجح المعارضة اللبنانية، الأحد، باجتياز الاختبار الاول لها لمواجهة السلطة وقراراتها التي ستُتخذ في العام 2019، وفي مقدمها رفع الدعم عن الوقود الى 600 مليون دولار، وتخفيض العاملين في القطاع العام، وتعليق سلسلة الرتب والرواتب التي تنامى الحديث عنها بوصفها "خطوة اصلاحية" لتخفيض العجز في الموازنة العامة. 

فما ظهر في الساحات العامة الاحد، حراك غير منظم، وهزيل، استطاعت أحزاب السلطة ضربه قبل أن يبدأ، عبر مداولات الكترونية وجيوش من المشككين، وشائعات تحاصر المتظاهرين المحاصرين أصلاً خلف أسلاك شائكة. 

وفيما لا يمكن الاعتماد على وسائل الاعلام التي فتحت الهواء لمواكبة التظاهرة المطلبية في ساحة الشهداء، قبل أن تتراجع وتنسحب إثر هزال المظاهرة، وظهور شخصيات نافرة فيها في التغطيات التلفزيونية، كان الاعتماد على مواقع التواصل للتأثير على المتظاهرين وخيارات الناس بالنزول الى الشارع. 

وقد تداعى المتظاهرون لتقديم سلسلة من المطالب المحقة، ولكن الفضفاضة وغير ممنهجة، أبرزها توفير ضمان صحي، ونظام تقاعدي، وتخفيض الضرائب غير المباشرة التي تطال الفقراء مثل الضرائب على الوقود، والمطالبة بفرص عمل متكافئة، وتعزيز دور الجامعة اللبنانية، فضلاً عن الاعتراض على السياسيات الحكومية وسياسة المحاصصة الطائفية، وإيصال أبناء النافذين الى المواقع... وغيرها من المطالب التي تحدث عنها المتظاهرون في التغطيات التلفزيونية المباشرة. 

والحال أن الضخ الاعلامي الالكتروني، قبل موعد التظاهرة، سار في مسالك عديدة تشكك بأهداف التظاهرة، وبطبيعة الداعين لها وأهدافهم، والشخصيات التي تشارك فيها. وفيما انتشرت شائعات عن أن "حزب الله" دعا اليها، وبرزت أصلا مداولات تحت شعار "انا بالمقاومة ونازل اتظاهر"، رد مناصرو الحزب تحت الوسم الالكتروني (هاشتاغ) #ما_نازلين_طالعه_ريحتكم، يتبرأ من المشاركين فيها، بوصفهم "يختفون خلف شعارات مطلبية لاستهداف المقاومة"، رافضين شعار "كلن يعني كلن". إثر هذا النقاش، انفضّ جمهور الحزب، وقبله الجمهور المعارض للحزب، وهما رأيان يشكلان عمود الانقسام اللبناني، ما أدى الى تناقص أعداد المتظاهرين. 

وانتشرت شائعات الكترونية أخرى تتحدث عن "مندسين" ينوون التعرض لمتظاهرين إذا تطرقوا لأحد القادة السياسيين في البلد. ارتعد كثيرون وأحجموا عن النزول الى الشارع، منعاً لاصطدام، ولتحوير المظاهرة المطلبية الى حراك سياسي ضد فئة من اللبنانيين، ومنعاً لتكرار الصدام في مظاهرات الحراك المدني في 2015. 

وفي مقابل تلك الشائعات، ظهرت معلومات في مواقع التواصل تؤكد أن التظاهرة لا تستهدف شخصاً محدداً، وأنه يُمنَع رفع الشعارات السياسية، وهو ما دفع آخرين للإحجام عنها، كونه لا يمكن مقارعة "أشباح"، ذلك ان "النزول اعتراضاً على سياسات الطبقة السياسية بالمطلق، ستكون عامة وغير مجدية وتفقد الشعارات قيمتها". 

ولم تسفر الدعوات عن ضبط التظاهرة بإطار غير مسيس. برزت شعارات ضد العهد، وأخرى طالبت بـ"اسقاط النظام"، بينما ارتفعت شعارات تقول ان البعض لا يريد تشكيل الحكومة، بل سقوط النظام بأكمله. 

قوّضت تلك الشعارات الاتجاهات للاعلاء من شأن التظاهرة، فبدت هزيلة، شاركت فيها قلة من الحاملين لمطالب محقة (يقدرون بالمئات). ودفعت، تالياً، برسالة الى السلطة بأن الشارع لا يخيف، ولا تزال السلطة قادرة على ضبطه، وأن ثمة أدوات لمواجهته في حال سارت الحكومة في خطوات "اصلاحية" مطلوبة وفق مقررات مؤتمر "سيدر"، تتعلق بتخفيض العجز في الموازنة العامة، الى النصف خلال 5 سنوات. وهو ما يشرع باتخاذ قرارات حكومية تستوجب التحرك في الشارع، عندما تطال سلسلة الرتب والرواتب التي منحت قبل عام ونصف العام للقطاع العام، ووقف التوظيفات في القطاع التي تستنزف نحو 40 % من الموازنة العامة السنوية. 

والواقع أن الادوات الحكومية لضرب التحركات الشعبية، هي نفسها الادوات التي استخدمتها موسكو للتأثير على الانتخابات الاميركية، كما يقول الكونغرس الاميركي. المواقع الالكترونية، ومنصات التواصل الاجتماعي، والصفحات المشبوهة، والضخ الذي يلامس كل فرد، والتواصل الشخصي معهم من خلال المنشورات الالكترونية. استعانت السلطة في لبنان بجيوش الكترونية متوارية ومتسترة، للتأثير على رأي الناس. وبذلك، تثبت أن لا حراك يمكن أن ينجح من غير دعم من السلطة نفسها. 

الاختبار يوم الأحد، فشل، رغم محاولات تشبيهه بحراك السترات الصفراء الفرنسية. في لبنان خصوصيات أخرى، لا يمكن استعارتها من واحدة من أعرق ديموقراطيات العالم. لا يزال النظام قادراً على ايجاد المنافذ للحفاظ على نفسه. وعندما يفقدها، أو يشارف على ذلك، يستعير من أقسى تجارب التأثير الالكتروني، آليات وأدوات لانهاء حراكات من غير أن يتدخل شخصياً!
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024