"لازم نحكي": إعلامنا ضعيف بسبب تخلف السوريين

وليد بركسية

الإثنين 2019/09/23
"أديه رح نقدر نحكي"، هو السؤال الذي طرحه الإعلامي اللبناني، تمام بليق، على زميلته في التقديم، الممثلة رنا شميس، وذلك في مستهل برنامجه الجديد "لازم نحكي" على شاشة قناة "لنا" السورية. وفيما قصد بليق، بالسؤال وجوابه، ثم الحوار الطويل بعدهما، تلميع صورة النظام السوري بوصفه ضامناً للحريات الإعلامية، فإن المواربة غير المقصودة فيه، لمسألة الرقابة في "سوريا الأسد" بوصفها دولة بوليسية، تشكل بحد ذاتها، تفسيراً حاسماً لمعضلة تخلف الإعلام السوري طوال عقود، والتي أثارها البرنامج، بعقد مقارنة مع الإعلام اللبناني المتفوق.


ورغم أن فكرة وجود حريات إعلامية في سوريا، البلد الذي تصنفه منظمة "مراسلون بلا حدود" في مراتب متأخرة ضمن مقياسها لحرية الصحافة منذ عقود، تبقى هزلية، إلا أنها تحولت إلى فكرة معيبة ومخجلة نظراً للطريقة التي تم تقديمها بها. حيث رأى ضيوف البرنامج، اللبنانيان طوني خليفة وهلا المر، والسوريان راميا الابراهيم ويامن ديب، أن سبب ضعف الإعلام السوري يعود لانغلاق الجمهور المحلي في سوريا، الذي لا يتقبل سقف حرية عالية في النقاشات، الفنية والسياسية، وحتى في إطلالات المذيعات، بوصفه جمهوراً محافظاً، بعكس الجمهور اللبناني الأكثر انفتاحاً وتعوداً على القيم الغربية المتحضرة.

هذه المقاربات القائمة على صور نمطية تعميمية، معيبة في أقل توصيف، لكنها غير مفاجئة نظراً للمنبر الذي تقدم من خلاله أو الأسماء التي تتحدث بها. وكان من الطبيعي ضمن هذا الجو الموبوء، تغييب الحقائق التي تجعل الإعلام السوري متخلفاً وخشبياً، كالمحسوبيات والرقابة المسبقة وسيطرة الأجهزة الأمنية على كل ما يعرض، والتبعية المباشرة للسلطة سواء عند إعداد أسئلة لحوار فني مع ممثلة من الدرجة الرابعة أو محاولة تقديم حوار سياسي، من دون الحديث عن الميزانيات المحدودة وثقل الظل والبعد عن الابتكار والأمور الفنية، التي تجلت في الفرق الواضح بين بليق، اللبق والمتحدث الجيد كمحاور تلفزيوني، وبين شميس التي بدت نسخة مكررة عن عشرات المذيعات الجامدات في الشاشات السورية الرسمية، وأسوأ من زميلتها أمل عرفة التي قدمت برنامجاً رديئاً في القناة نفسها العام الماضي بعنوان "إيه في أمل".


وطبعاً لن تتم الإشارة في القناة، إلى أمور مثل اعتقال الصحافيين، بما في ذلك الناشطين الموالين النظام الذين خرجوا قليلاً عن الخطاب المحدد لهم مسبقاً، أو كمية العنصرية واللاإنسانية التي قدمها مراسلو للتلفزيون السوري نفسه خلال سنوات الحرب في البلاد، والتي تجعل إصلاح الإعلام السوري حلماً بعيد المنال. كما لن تتم الإشارة إلى الإعلام السوري البديل، الذي حاول تقديم صورة أكثر عصرية للإعلام السوري، بما في ذلك قناة "سوريا" المعارضة التي تبث من إسطنبول مثلاً، والتي تقدم منتجاً بصرياً جيداً، وتنوعاً في الأفكار، تصل إلى حد تقديم برامج ساخرة مثل "نور خانم" للإعلامية نور حداد التي تلقي الضوء على ما يجب إلقاء الضوء عليه في هذه النوعية من البرامج، التي شوهها الإعلام الموالي بتحويلها إلى حفلات للتطبيل وإظهار الولاء لرموز النظام على مدار الساعة.

ورغم أن الحلقة أتت خالية من الموسيقى، بشكل غريب، بينما كان بعض الحضور في الخلفية نائماً وغير متفاعل مع الحوار الممل، إلا أن هنالك بعض الأكشن والترفيه فيها. فلا يمكن سوى الضحك عندما انحرف الحديث لعرض سقف الحرية "غير المسبوق" في الإعلام الرسمي بمثال البرنامج الفني الذي قدمه ديب، عبر إذاعة "صوت الشباب" التابعة لوزارة الإعلام، ليتساءل الضيوف اللبنانيون إن كان بالإمكان استضافة أسماء فنية معارضة مثل أصالة في برنامج يقدمه إعلامي سوري، وأتى الجواب بشكل حاسم بأن "أصالة غير مرحب فيها في سوريا"، وكأنه صادر من فم عنصر في المخابرات وليس ما يفترض أنه إعلامي يتحدث عن قيمة نبيلة مثل حرية التعبير.

والأسوأ من ذلك، تحول البرنامج لاحقاً لإنكار وجود أي أزمة في الإعلام السوري، وبالتحديد عندما طرحت المر سؤالاً بسيطاً حول الحريات، ليأتي الجواب بالتشكيك بمعنى الحرية نفسها، ثم مهاجمة الإعلام اللبناني الذي استحضره البرنامج أصلاً لتقديم مقاربة بين إعلام متفوق وآخر رديء، وأصبح الإعلام اللبناني حسب الابراهيم، إعلامياً حزبياً لا يقدم الحرية، التي تكفلها لها "الدولة السورية" في حال أرادت يوماً ما تقديم برنامج على الشاشة الرسمية في دمشق.

والحال أنه عندما انطلقت قناة "لنا" العام 2018 أعلنت عن نفسها كمشروع لدعم الدراما السورية "الوطنية" التي تعاني مؤامرة خارجية، وأعربت عن رغبتها في مخاطبة كل السوريين بغض النظر عن الانتماءات السياسية. لكن هذه المقدمة الزائفة تلاشت تدريجياً مع تحول القناة التي يمتلكها رجل الأعمال المقرب من النظام، سامر فوز، إلى منصة جديدة للبروباغندا الأسدية، وتحديداً في البرامج التي تسللت إلى دورتها البرامجية تدريجياً ، قبل افتتاح قناة "لنا بلس" المخصصة للبرامج.

وإن كان الإعلام الرسمي التابع للنظام يتفاخر، من دون خجل، بأنه يقدم البروباغندا كـ"منتج رديف لانتصارات لجيش العربي السوري"، فإن "لازم نحكي" وما شابهه من مشاريع، لا يستحق، من جمهوره قبل أي أحد آخر، سوى الاحتقار، لنفاقه حتى في هذا "الواجب الوطني".

ولعل السؤال الذي يجب طرحه هنا، لا يتعلق بسبب استقطاب الإعلام السوري، الرسمي وشبه الرسمي، لإعلاميين لبنانيين (رابعة الزيات، تمام بليق، حسين مرتضى، ..) بل بسبب اتجاه تلك الأسماء نحو المشاريع السورية الجديدة، وبالتحديد قناة "لنا" التي تبث من بيروت ويبدو أنها تتحول إلى منصة تستقطب إعلاميي "الممانعة" الذين خف ألقهم أو انحسر عنهم التمويل الذي كانوا يتلقونه من المحطات العربية الكبرى، في السنوات السابقة، وبالتحديد في مجال المنوعات والترفيه، مثلما كانت قناة "الميادين" جاذبة لأسماء مشابهة في قطاع الإعلام السياسي. وتستفيد منهم "لنا" في المقابل، لدعم مشروعها الباحث عن ضخ تأثير "ناعم" يحاكي سردية النظام السوري للحرب في سوريا ويلمع صورته أمام جمهور أوسع من جمهور الإعلام الرسمي المحلي.

يمكن تلمس ذلك في جذب الحلقة الأولى، الأنظار، وتصدر الهاشتاغات المرتبطة بها، لائحة الأكثر تداولاً في "تويتر" في لبنان، بسبب اسم بليق الذي لمع في البرامج الفنية الفضائحية، وحاول تقديم تجربة مختلفة للمرة الأولى. لكن ذلك لا يعني أن الحلقة قدمت محتوى جيداً، بل كانت فقط ساعة مرهقة من العنصرية والصراخ والأخبار القديمة والترويج لأفكار مسيسة لصالح نظام مجرم يبتكر طرقاً مكشوفة لإعادة تقديم نفسه مع انحسار الحرب في البلاد شيئاً فشيئاً.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024