اسرائيل تستبدل الرقابة بـ"التوجيه"..ولبنان يتصدر الهواجس الأمنية

أدهم مناصرة

الأربعاء 2020/12/30
"الصحي والاقتصادي طغى على الأمني".. هكذا لخص خبراء ومختصون فلسطينيون بالشأن الاسرائيلي تقييم تغطية الإعلام العبري خلال العام 2020؛ نظراً لتصدّر جائحة كورونا وتداعياتها المشهد في دولة الاحتلال والعالم أجمع.

يأتي الاستنتاج رغم أن السنة بدأت بحدث أمني غير تقليدي حبس الأنفاس خوفاً من تدحرج الأمور إلى حرب إقليمية شاملة؛ إذ تمثل باغتيال قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني في الثالث من يناير/كانون الثاني، وانتهت السنة أيضاً باغتيال "رأس المشروع النووي الإيراني" محسن فخري زادة في 27 نوفمبر/تشرين الثاني.

ويقول الصحافي محمد سلامة، من فلسطينيي 48، بصفته متابعاً للإعلام الإسرائيلي عن كثب، إنه يتفق مع الخلاصة سالفة الذكر، إلا أنه يقر أيضاً أن ثمة مساحات قد وفرها الاعلام العبري للقضايا والأحداث الساخنة في الإقليم والعالم، لكن على طريقته.

"التسريب" الاعلامي تراجع؟
اللافت، أن سلامة المُطّلع يومياً على مضامين الصحافة العبرية قد لاحظ تراجعاً في حجم التسريبات في الإعلام الإسرائيلي هذه السنة مقارنة بالسنوات الماضية؛ لسببين: الأول أن جائحة كورونا دأبت على افتتاح نشرات الأخبار بمحطات تلفزة إسرائيل وإذاعاتها، إلى جانب تصدّر صحافتها. أما السبب الثاني للتراجع، فهو التزام اعلامها بشكل أكبر بما تفرضه الرقابة العسكرية.. ويقول سلامة لـ"المدن": "أيّ صحافي في إسرائيل مهما علا شأنه، فإنه يلعب بالساحة التي تسمح بها الرقابة؛ لأن اي تقرير يغرد خارج السرب يجب أن يمر على الرقابة أولاً".

لكنّ الاعلامي المتابع للشأن الاسرائيلي، والمقيم في رام الله، خلدون البرغوثي، يخالف سلامة في حكمه المطلق بتراجع حجم التسريب الإعلامي في دولة الاحتلال، عبر القول إن الحكم يتفاوت إذا تعلق الأمر بموضوع داخلي في الدولة العبرية أو شأن أمني وسياسي إقليمي. ويقول البرغوثي لـ"المدن" إن الإعلام الإسرائيلي قام بدور أكبر من المعتاد سنة 2020.. لدرجة أنه نشر تسريبات بدت كما لو انها "بث حي ومباشر" لما دار في جلسات مغلقة للحكومة الإسرائيلية.. وهو ما أغضب نتنياهو ودفعه إلى البحث عن أماكن مخصصة لحالات الحرب من أجل عقد اجتماعات "الكابينيت" فيها حمايةً من التسريب. بل وطالب نتنياهو حينها بالتحقيق مع الوزراء واخضاعهم لـ"جهاز كشف الكذب"؛ سيما وأن تسريب المعلومات لوسائل الإعلام حصل قبل انتهاء الجلسة، ما ولّد شكوكاً بتنصت الإعلام مباشرة على نقاشات لمواضيع اقليمية وحتى داخلية.

الكاتب الصحافي نظير مجلي يعتقد بوجود مساحات لكسر قيود الرقابة العسكرية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة وأن الإعلام العبري قد نجح في ذلك. لكن طبعاً ليس إلى حد المسّ بـ"الأمن القومي".. فنقطة ضعف الاعلام الاسرائيلي دائماً هي "الأمن".

الدعاية الإسرائيلية تطورت!
عموماً، تميزت سنة 2020 بخروج السياسة الأمنية الاسرائيلية من دائرة الغموض لأول مرة، في إشارة إلى تطور دعاية الاحتلال المروّجة لـ"قدرات إسرائيل الخارقة" و"ضعف العدو".. فقد اعلن نتنياهو- بطريقة علنية أو التسريب المقصود- مسؤولية إسرائيل عن تنفيذ عمليات عابرة للحدود طالما اتسمت "بالسرية". وهي لعبة استخدم نتنياهو فيها الاعلام لاسباب شخصية، بهدف القول للرأي العام الإسرائيلي "إنه زعيم لن يتكرر في تاريخ إسرائيل"! ومن أجل تكريس الدعاية، تفوق نتنياهو في توظيفه السوشيال ميديا لصالحه، على خصومه السياسيين أمثال رئيس تحالف "أزرق-أبيض" بني غانتس الذي رسب في امتحان السوشيال ميديا.

وانتقالاً إلى الرقابة العسكرية، فبعدما شعرت أنها تفقد السيطرة في السنوات الاخيرة على الإعلام الإسرائيلي، تحولت إلى أسلوب جديد يقضي بتقليل القيود على الصحافة والاستعاضة عنها بعملية "التوجيه".. وتحقق ذلك عبر استدعاء صحافيين "مخضرمين" فُرادى ومجموعات خلال السنة لإطلاعهم على وقائع سياسية وأمنية تخص لبنان وإيران والمنطقة، فيتم كشفها لهم من أجل النشر، شريطة عدم ذكر اسم المصدر. وبموجب ذلك، استدعى مصدر أمني "كبير"، الصحافي الإسرائيلي بالإذاعة الرسمية "مكان"، يعقوب عيزرا، كي ينشر "سَبقاً" عن دور ايجابي من قبل زعيم "التيار الوطني الحر" جبران باسيل في التمهيد لمفاوضات "الترسيم".

وكشفت وسائل اعلام اسرائيل، مستفيدة من الاستدعاء الأمني، الكثير من خفايا العمليات السرية التي تنفذها إسرائيل في سوريا وداخل إيران، وكيف أن إسرائيل سرقت الأرشيف النووي الإيراني بحمولة "شاحنتين" ثم أخرجته من ايران عام 2018، مروراً برصد قادة ايرانيين من الصف الأول، كدليل على "وهن إيران واختراقها في مقابل قوة إسرائيل"!

لبنان في صدارة الاهتمام 
وعلى صعيد لبنان، منح إعلام إسرائيل الموضوع اللبناني حصة كبيرة خلال سنة 2020 نظراً للأحداث القوية التي شهدها البلد العربي، وفي مقدمها الحراك ضد المنظومة الفاسدة، مروراً بذروة المأساة التي تجسدت بانفجار مرفأ بيروت الكارثي في آب/أغسطس، وليس انتهاء بمفاوضات الترسيم البحري.. بيدَ أنّ هذا الاعلام تماهى مع الدعاية الرسمية القائمة على "النظرة بمنطق أمني" إلى كل ما يحدث في لبنان حتى لو كان موضوعاً اجتماعياً أو اقتصادياً. وسعى إلى تصوير البلد كـ"دولة فاشلة" بفعل ما أسماها "شعارات حزب الله والتأثير الإيراني إلى جانب فساد المنظومة السياسية".

وفي السياق، يقول نظير مجلي، المقيم في اراضي 48، لـ"المدن"، إن الإعلام الإسرائيلي دأب على تصوير "كل سلبية في لبنان كنتيجة لفشل الدولة"، بموازاة ربط الفشل في سياق الصراع بين تيارين لبنانيين متضادين، أحدهما محسوب على إيران والآخر على الغرب.

وقارنت الصحافة العبرية بين الأمس واليوم في مسعى منها لتفسير دوافع "فشل الدولة اللبنانية"، فراحت القناة الإسرائيلية الرسمية "مكان" الى بث حلقات من فيلم وثائقي يجري  مراجعة تاريخية للبنان، وكيف أن منظمة "التحرير" الفلسطينية كانت أحد العوامل، ثم حلّ محلها حزب الله.

أما مفاوضات الترسيم، فقد برز الاهتمام الإعلامي الإسرائيلي بها في الجلسات الأولى للمفاوضات من منطلق أن اسرائيل معنية بأن ينشغل اللبنانيون بالغاز حتى تتغير الحالة الاقتصادية لتكون مدخلاً للتغيير السياسي و"صياغة دولة تنشد السلم مع إسرائيل". لكن سرعان ما تراجع اهتمام الاعلام العبري من منطلق إدراكه بأن المفاوضات "عقيمة"، بدليل "توقف" او "تأجيل" اللقاءات في مقر "اليونيفيل" الكائن في رأس الناقورة.

ومع وداع عام واستقبال آخر، تستعد اسرائيل لانتخابات مبكرة هي الرابعة في غضون عامين، ليعود الاستقطاب الداخلي إلى الإعلام الإسرائيلي وبدرجة أشدّ خاصة وأن المنافسة تحتدم هذه المرة بين يمين متطرف وآخر أكثر تطرفاً.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024