حكومة الحريري الثالثة: مفارقات الارتجال

نذير رضا

الجمعة 2019/02/01
يتسم طرح الأسئلة عن مدى انسجام الحكومة الوليدة، بسوء التقدير، بالنظر الى ان تركيبتها السياسية "التوافقية" لا تترك مجالاً للشك في أن قراراتها في الاغلب ستكون توافقية، وبواقع مفاده أنها حكومة وزير الخارجية جبران باسيل الذي قبض على مفاصل الحكومة المعنية باستحقاقات السنوات الأربع، وفي مقدمتها الخارجين والطاقة وملف النازحين. 
فالأجدى من ذلك، السؤال عن مسميات هجينة أثارت لغطاً واسعاً، تكشف شكلاً ارتجالياً في الاحاطة بالشأنين السياسي والاداري، لا يخضع لحسم مسبق، ويبقى حتى الدقائق الاخيرة خاضعاً للتردد. وظهر ذلك أخيراً في التسمية التي أعطيت لوزارة الدولة المعنية بشؤون المرأة والشباب، وتتولاها الوزيرة فيوليت الصفدي، وربما طاولت بعض تداعيات الارتجال، تسمية وزارة تكنولوجيا المعلومات التي أثارت أسئلة في مواقع التواصل. 

وجاءت التسمية الأولى لوزارة المرأة باسم "وزارة دولة لتأهيل المرأة والشباب"، وهو ما أثار اعتراضات واسعة النطاق، لجهة الاهانة التي يمكن أن تترتب على تسمية مشابهة، تفيد بالنظر الى المرأة من زاوية دونية، ومن رؤية كونها عنصراً مؤهلاً للقيادة، وهو ما ينسف كل المقاصد السابقة للتأكيد بأن المرأة انتزعت بعضاً من حقوقها. 

بمجرد ظهور الجدل، أعلنت رئيسة "الهيئة الوطنية لشؤون المرأة" كلودين عون، أن التسمية ستتبدل لتصبح "وزارة الدولة لشؤون التمكين الإقتصادي للنساء والشباب". وقدمت شكرها لرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة لاستجابتهما لطلبها بتعديل إسم الوزارة، داعية إلى اعتماد مبدأ التعاطي بإيجابية في المرحلة المقبلة، وأخذ المبادرة في طرح الحلول. 

والجدل نفسه، ولو بوتيرة أقل، انسحب على "وزارة  الدولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات" التي تولاها الوزير عادل أفيوني، وسط اسئلة عن عمل هذه الوزارة من دون حقيبة، وهي واحدة من المفارقات التي رصدها ناشطو السوشيال ميديا، لكنها بقيت ضمن الاطار الاداري، في وقت كانت هناك مفارقات أخرى، أكثر وقعاً وبوسعها أن تغطي على كل الارتجالات الأخرى، مثل اقصاء محافظة بأكملها من التمثيل في الحكومة الجديدة، وغياب اسماء كان يمكن أن تشكل وقعاً مختلفاً مثل النائب السابق والقيادي في "المستقبل" مصطفى علوش. 

وعلوش، الذي تسرب اسمه مراراً ليكون جزءاً من التركيبة الحكومية الاخيرة، لم يصدر اسمه ضمن التشكيلة المعلن عنها في مجلس الوزراء. وتراوحت التقديرات بين أمرين، أن يكون القيادي في "المستقبل" دفع ثمن قناعاته المرتبطة بخيارات سياسية، وفقدان الكيمياء بينه وبين "التيار الوطني الحر"، بينما ذهب التقدير الثاني الى ان الرجل دفع ثمن خيار التحالفات والوعود والحسابات المناطقية، حيث تم تمثيل شخصين من طرابلس، واثنين من الكورة، فتراجعت حظوظه. وإذا كان التقدير الثاني واقعياً، فإنه ينم عن خطأ في الحسابات السياسية، كون علوش يعتبر من الصقور، ويجب أن يفرض مكانه في مجلس الوزراء الى جانب الحريري وخياراته. 

على أن الحسابات المناطقية بالنسبة إلى "تيار المستقبل"، لم تراعِ تمثيل منطقة عكار، أو التمثيل المتوازن، وهو ما أثار جدلاً في مواقع التواصل، بالنظر الى ان المحافظة المحرومة، أبعدت على التمثيل الحكومي، خلافاً للمحافظات السبع الأخرى في لبنان، وهو ما يخالف الوعود الانتخابية في المقام الاول، كما يرسم هواجس أخرى حول الامعان في أن تبقى المحافظة محرومة وخارج الانماء. 

قد تكون تلك واحدة من المفارقات، لكنها في الوقت نفسه، جزء من مفارقات أخرى تمثلت في تمثيل أربع وزيرات، تتولى اثنان منهن حقائب هامة (الطاقة والداخلية)، واحدة منها سيادية.

وبينما تتكاثر الأسئلة عن الإنسجام والانتاجية المتوقعة، يغرق رواد مواقع التواصل في التندر، ليس أهمها النكات التي نسجت حول تولي "حزب الله" حقيبة الصحة، والعلاج بالدعاء والصدقة، أو انقطاع الكهرباء أثثناء أول مقابلة تلفزيونية مع وزيرة الطاقة ندى البستاني!
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024