خوف الثورة.. وخوف أعدائها

قاسم مرواني

الإثنين 2019/12/16
في الأيام الأولى للثورة التي بدأت في السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر، جرى نقاش بيني وبين أحد أصدقاء الطفولة وهو من قدامى عناصر "حزب الله"، فقال: "أطلب منك بأن تنتبه أننا في النهاية، أنا وأنت، من سيتحمل النتائج، أهلي وأهلك فقراء وسيتحملون النتائج، الأثرياء سيسافرون لكننا سنبقى، كما حدث في سوريا تماماً".

كان في لهجة صديقي القديم، خوف من الآتي، من أن يتحول لبنان الى سوريا أخرى. وفي تتمة النقاش، كان هناك الكلام المعتاد عن تحييد "حزب الله" وإيران، وشيطنة أميركا وتحميل "حلفائها" في لبنان المسؤولية عما آلت اليه أوضاعنا الاقتصادية. الكلام المعتاد الذي اعتدنا على سماعه. عندما أخبرته أن وقف الانهيار يتطلب علاقات جيدة مع الدول العربية والغرب، كما مع إيران وروسيا، قال في ختام نقاشنا: "لو بقيت بلا طعام أنا وزوجتي وأطفالي وأهلي، لن أكون عبداً لأميركا".

الخوف من الفقر والجوع، تغلب عليه الخوف من أميركا. تشكلت لديّ قناعة تامة أن "حزب الله" مستعد لتحويل لبنان إلى يَمَن آخر، في مقابل أن يحافظ على هيمنته على لبنان.هذا الخوف من أميركا كان الدافع الرئيسي لـ"حزب الله" وأنصاره للانسحاب من الشارع والوقوف ضد الثورة، معتبرين أن أي استبعاد لهم هو مؤامرة أميركية عليهم.

في الجهة المقابلة، كان قد بدأ يتشكل لدينا نحن، خوف من حزب الله، من إصراره على المواجهة، مواجهة الثورة، مهما كلف الثمن. ليس خوفاً من السلاح والزعران، بل خوف من قدرته على أخذ لبنان إلى أقصى الانهيار لحماية نفسه، وبالتالي حماية حلفائه الذين يشكلون جزءاً من الطقم السياسي الذي نطالب برحيله. وباءت بالفشل كل محاولات المتظاهرين لإقناعه بأن سلاحه ومقاومته غير مستهدفين. كنا خائفين وكان "حزب الله" خائفاً أيضاً.

في الجنوب، كما في الضاحية الجنوبية وربما في مناطق أخرى، بدأ الناس يتوافدون إلى السوبرماركات لشراء المواد التموينية. كنت أرى عرباتهم مليئة بأكياس الأرز وعلب الحليب والزيوت والحبوب وأكياس الطحين. كانوا جميعاً خائفين، خصوصاً عندما بدأت البلديات في الجنوب بالحث على زراعة القمح، وإقامة ندوات مساعدة المزارعين وتوزيع المواد الأولية عليهم، كأن المشكلة في لبنان تقتصر على الأكل والشرب.

على شاشة "NBN" التابعة لـ"حركة أمل"، عُرضت أفلام قصيرة توضح كيفية نجاة أهل الجنوب من الفقر والقلّة خلال الحرب الأهلية وقبلها. نساء عجائز يتحدثن عن الأعشاب الصالحة للأكل، وعن كيفية تخزين اللحوم في حال انقطاع الكهرباء لمدة طويلة. أمام كل الخوف، كانت الدولة تعيش في عالم آخر، في المحاصصات الطائفية، وكان خطاب "حزب الله" الحث على الصبر والدعاء.

لطالما كان جمهور "حزب الله" في الجنوب واثقاً في قيادته، وفي أن الصبر مفتاح الفرج، وأنها سبعة أيام عجاف ستمر ونعود إلى سابق عهدنا، وأن "السيد" لن يتركهم وسط هذه الحرب الشرسة سوى بانتصار آخر. بعيداً من البروباغندا واستعراض العضلات في مواقع التواصل، الأسعار في ارتفاع دائم، وبعض المحال التجارية في الجنوب بدأ يغلق أبوابه، وما بقي منها مفتوحاً راح أصحابه يشكون قلة العمل واضطرارهم للإغلاق قريباً إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه. ارتفعت كذلك بشكل كبير، معدلات السرقة والسطو، وبات من الصعب على المغتربين تحويل أموال إلى ذويهم. الجميع بدأ يشكك، والجميع يتساءل عن التالي، والخوف سيد المشاعر، مع انعدام الثقة.

كان كل شيء يدعو للثورة، لكن الخوف يقف بين الناس وبين نزولهم إلى الشارع. يخاف أنصار الثورة من التجار الجنوبيين أن تتم مقاطعة متاجرهم إذا ما شاركوا في ثورة يعتبرها "حزب الله" و"حركة أمل" مؤامرة ضدهما. يخاف أنصار "أمل"، استهداف الرئيس نبيه بري مع ما يمثله جنوبياً من "إنماء" ووظائف وغطاء سياسي كما يرونه. يخاف أنصار "حزب الله"، استهداف مقاومتهم وقوتهم.

آخرون يخافون من انعدام الأفق. يشعر كل واحد بأن البلد قد تبعثر، ويفكر في لملمة ما تبقى منه قبل أن ينهار كلياً. يخافون صوابية أي خطوة قد يقدمون عليها، هل ستؤتي ثمارها؟ هل هي في الاتجاه الصحيح؟ هل ستغيّر شيئاً نحو الأفضل؟ بعد مرور شهرين تقريباً على اندلاع الثورة، حدث نقاش جديد مع الصديق القديم في "حزب الله"، قال في ختامه: "نحن كلنا مع الحراك لكن عليه أن يسلك الطريق الصحيح".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024