"شرف النساء" أداة "التيار الوطني الحر" للاستهداف السياسي

نور الهاشم

السبت 2019/04/06
التوضيح الذي نشرته اللجنة المركزية للاعلام في "التيار الوطني الحر" في أعقاب منشور "قصة وعبرة"، لا يلغي السقوط الذي وقع، ولا ينفي أن هناك عقلاً لا يراعي حساسيات حقوقية، ويتعامل معها من منظور سياسي تقليدي، يوم كانت المرأة اللبنانية ترزح تحت سلطة أبوية.

منذ نشرت اللجنة المركزية للاعلام "قصة وعبرة"، التي شبهت فيها الفاسدين بالمغتصبات اللواتي قتلن من قتلت مغتصبهن، ثارت المناصرات لحقوق المرأة انتقاداً لاستحضار قصة متداولة ومكررة، واسقاطها على جهود محاربة الفساد. وضع المنشور محاربي الفساد (في اشارة الى التيار الوطني الحر) في موقع السيدة المدافعة عن شرف النساء، والتي تعرضت للقتل على يد الضحايا لحماية شرفهن من الفضيحة، و"كيلا تتعالى عليهن بشرفها".

استحضار القصة المتخيلة بهذا الشكل الفجّ، يظهر أن هناك من ترضى بالاغتصاب، أو تتستر عليه، وهو واقع تنفيه نضالات المرأة اللبنانية التي تدعو للانقضاض على الموروث الذكوري والسلطة الابوية، ومحاكمة المغتصب ومحاسبته بدل الخضوع له، واهدائه المرأة الضحية كزوجة، لقاء التستر عليها بذريعة حماية الشرف. 

المنشور الذي أريد له توظيفاً سياسياً، عدا عن أنه مقيت، ويفتقد الى الادبيات الحقوقية، وينتقص من تضحيات النساء اللبنانيات، له مردود سياسي إلغائي. فهو، بالمضمون، يحاكم كل الشركاء السياسيين والحلفاء بتهمة الشرف. يتهمهم بقتل "التيار الوطني الحر" المجتهد في "محاربة الفساد". ينتقص من جهودهم، ويتهمهم ضمناً بالخيانة، لأجل تعويم نفسه كتيار محارب للفساد، فيما يبرئ نفسه من تهمة الفساد التي، بحسبه، كل الآخرين غارقين بها باستثنائه.

هذا المنطق السياسي، ينطوي على استعلائية تجاه الأطراف السياسية الآخرى التي يشارك "الوطني الحر" طاولة مجلس الوزراء، ومقاعد البرلمان. هو منطق تخويني، بأدبيات الماضي، يستخدم فيه سلاح الشرف كاستحضار للغة سلطة ذبلت، يشبه الى حد بعيد المنطق الذي تُهاجم فيه النساء بالسباب أو بالاتهامات القائمة على الشرف. وهو ما أثار الانتقادات.

الاعلامية ديما صادق، توجهت الى "التيار" بالقول: "تتخطون نفسكم كل مرة بجهلكم المدقع وذكوريتكم المقززة... الى الذين كتبوا هذا المنشور: المغتصبة ليست عارا على احد، العار هو طريقة تفكيركم!".

بدورها، اعتبرت جمعية "كفى" ان "القصة تدل عن خيال مشوّه ومريض وذكوري والعبرة تتفوق على القصة مرضاً وعبثية. أصبحت النساء ضحايا الإغتصاب بالنسبة للجنة المركزية للإعلام في التيار هنّ كالفاسدين وهن المسؤولات عن اغتصابهنّ!".

وتابعت: "بعد كل الجهود المبذولة منذ عقود لتغيير العقلية القديمة جداً التي تعتبر أن الإغتصاب ليس جريمة مسؤولاً عنها مرتكبها بل هو عار ومسّ بالشرف وأن الحق على المعتدى عليها، يأتي حزب سياسي ليكرّس هكذا أفكار متخلفة وعنيفة ومتحيّزة للمعتدي".

ورأت الجمعية أن "التوضيح الذي نشره التيار اليوم فهو غير كاف والاعتذار كان لمن أساء الفهم وليس عن الاسلوب المستخدم بإهانة المرأة. فالمرأة ليست مكسر عصا كلما أراد فريق سياسي أن يتهجّم على خصومه، يستخدم أسلوباً مهيناً لها. وهو الأسلوب ذاته الذي يُستخدم للتهجّم الشخصي على النساء المنخرطات في الشأن العام". وختمت بالقول: "حلّوا عنّا وعن أجسامنا وشرفنا".

وبعد الجدل، وزعت اللجنة المركزية للاعلام في "التيار الوطني الحر" توضيحاً قالت فيه ان المنشور "خلاصته اجراء مقارنة رمزية بين واقعنا السياسي وحقيقة تاريخية مفادها ان ليس الجميع يناضل ضد الظلم، وان المستسلمين غالبا ما ينقضون على من وقف الى جانب الحق، وهو ما يتعرض له التيار بشكل يومي، ولاسيما بموضوع مكافحة الفساد".

وقالت: "ازاء الفهم الخاطئ من البعض، والتشويه المتعمد للمعنى المقصود من البعض الآخر، أكدت اللجنة الآتي: الرواية المستخدمة في المنشور متناقلة منذ زمن طويل عبر مواقع التواصل، كما ان بعض الصحف نشرت مضمونها في مقالات لكتاب بارزين، منها مقال نشر في جريدة الحياة في آب 2017". وأضافت: "ليس التيار الوطني الحر من يتهم بالاساءة الى المرأة وكرامتها ودورها، وهو الذي تشهد مواقف مسؤوليه جميعا، كما ميثاقه واداؤه، على الاولوية القصوى التي يعيرها لمكانة المرأة في الحياة الوطنية ولحقوقها ضمن مبدأ المساواة". إذ "يتمتع التيار بشجاعة الاعتذار من كل من اساء الفهم. اما للمحرضين المعتادين، فلا جواب سوى ان المسيرة مستمرة ولن يوقفها تشويه من هنا او كذبة من هناك".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024