قبل رَجم نقابة المحررين.. بعض الحقائق والآمال

نذير رضا

الثلاثاء 2018/12/04
عشية انتخابات مجلسها النقابي، تقف نقابة محرري الصحافة في لبنان بين استحقاقين. أولهما، الانجازات التي لم تُستكمل لظروف موضوعية وأسباب متعلقة ببنية العمل النقابي اللبناني، والتي لا يُتوقع بأن تحقق أكثر مما حققته في السابق. وثانيهما، التدخلات السياسية المحيطة بالانتخابات، وأثمرت لائحتين (واحدة يرأسها الزميل جوزيف القصيفي، وأخرى يرأسها النقيب الياس عون)، ومرشحة مستقلة واحدة هي مي أبي عقل. 
لكن قبل الرجم، وجَلد الذات أيضاً، تستحق النقابة السابقة، (والتي لا أعرف معظم أعضائها)، لفتة تقدير لما أنجزته، رغم أن المعطيات تشير الى أن العاملين على تحقيق الانجازات، لم يتجاوز عددهم أصابع اليد، بينما كان هناك آخرون منشغلون بأعمالهم، ولم يسجل حضور بعض الأعضاء للاجتماعات عدد اصابع اليد أيضاً. 

وأنجزت النقابة السابقة، ما أنجزته، إيماناً من الأعضاء الفاعلين (الذين لن نسمّيهم كي لا تعتبر دعاية انتخابية، وهم متنافسون اليوم في الانتخابات) إيماناً بالنضال لتحسين ظروف العاملين في المهنة، ولتنقية الشوائب المتروكة من أثر سنوات ماضية أفقدت النقابة إيمان المنتسبين إليها وغير المنتسبين، بضرورة وجودها. 

ما أُنجز يستحق التقدير، لا الجَلد. 220 عضواً من الدخلاء على المهنة، تمت تنقية الجدول النقابي من أسمائهم. ودخل 170 عضواً جديداً خلال ثلاث سنوات، حتى بات الأعضاء المنتسبون نحو 1300 صحافياً. 170 عضواً من مستوفي شروط العمل بالمهنة، والعاملين فيها عبر فتح الجدول النقابي أكثر من مرة في السنة، وفي إحدى السنوات فُتح الجدول أربع مرات.

وأنجزت قانون الإعلام الجديد، بالتعاون مع وزارة الإعلام، وبات في عهدة مجلس النواب لإقراره، ويتضمن تنسيب الصحافيين العاملين في النشر الالكتروني في نقابة المحررين. القانون الذي لم يُقرّ بعد، استبقت النقابة إقراره بتنسيب بعض الصحافيين العاملين في النشر الإلكتروني، ممن يستوفون الشروط. 

لا مناص من إعلان فشل النقابة في إنجاز صندوق تقاعدي أسوة بنقابات المهندسين والمحامين والأطباء. لكن ظروف إقراره، غير متاحة. الدولة ليست قادرة على تغطيته. والصحافيون الذين يدفعون مبلغ 100 ألف ليرة كاشتراك سنوي في النقابة، غالباً لا تسمح لهم ظروفهم المهنية ورواتبهم بدفع مبالغ كبيرة أسوة بالمهندسين والمحامين والأطباء الذين يعملون خارج الإطار الوظيفي. وإثر هذا الفشل، أمّنت النقابة عقد تأمين سنوي للمنتسبين، بكلفة تقل 40% عن كلفته الحقيقية في السوق. وهذا يعد إنجازاً أيضاً. 

أسئلة كثيرة ترد من قبل الزملاء عن ضرورة وجود نقابة. يُسأل مثلاً عما فعلته تجاه المصروفين تعسفياً. لكن هذا السؤال يجب أن يُواجه بسؤال آخر: هل تمتلك النقابة سلطة منع المؤسسات الصحافية العائلية من الإقفال، وأعضاء مجلس إدارتها من أبناء العائلة الواحدة؟ 

بالتأكيد، كان في الإمكان ممارسة الضغوط، لو لم تكن المؤسسات عائلية، ولو كانت هناك سلطة لدى نقابتي المحررين والصحافة لوضع شروط جديدة حول ملكية وسائل الإعلام. كان الأمر ليكون أسهل. 

لكن يُحسب للنقابة، أنها فتحت أبوابها للصحافيين المُستغنى عن خدماتهم تعسفياً، وعززت ثقة الصحافيين في النقابة، رغم أن بعض المحامين كانوا قد فتحوا مكاتبهم للصحافيين بالمجان. فاستقبلت النقابة الزملاء في "الحياة"، وآخرين كثر من المستغنى عن خدماتهم، ووفرت لهم محامين يتابعون قضاياهم في القضاء ووزارة العمل. 

أن تكون النقابة مرجعاً للمنتسبين اليها، فهو سياق جديد (رغم أنه بديهي) يستحق التقدير. وأن يبذل أعضاؤها الكثير من الوقت والجهد لمتابعة شؤون النقابة، فهذا يستحق التقدير أيضاً. وأن يحارب بعض أعضائها، المؤسسات التي تحتضنهم، وصولاً الى الخروج منها دفاعاً عن قضايا الزملاء، كما هو حال الزميلة مي أبي عقل التي خرجت من "النهار"، فهذا يستحق الكثير من التقدير. وللعِلم، فإن أبي عقل اليوم تخوض الانتخابات كمرشحة منفردة ومستقلة خارج اللائحتين، سعياً لاستكمال نضالها النقابي. 

يوم الخميس المقبل، هو يوم الانتخابات. ستكون هناك منافسة بين لائحتين ومرشحة منفردة. تنافس ضمن الأطر الديموقراطية، كما هو مفترض، واستكمال لمعركة الحريات التي يتغنى بها لبنان، وباتت ميزة له بين الدول المحيطة، لجهة تحصيل حقوق الزملاء وتعزيز حريتهم الواجبة ضد السلطة والمال.

كان لزاماً إيضاح ما يجب ايضاحه، منعاً للتهجم على فحوى وجود النقابة، كجسم نقابي ضروري للصحافيين، رغم الثغرات والهفوات والتقاعس أحياناً، والآمال الكبيرة المعلقة على نقابة باتت في طور الإحياء منذ سنوات قليلة فقط. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024