"حزب الله" ومواقع التواصل.. مَن يقاتل مَن؟

نور الهاشم

الخميس 2018/09/20
لم يطلق "حزب الله" معركته مع مواقع التواصل الاجتماعي، ومضمونها، من مقاربة حربية هجومية. أعطى نفسه حق مواجهتها من خلفية دفاعية، بالقول ان حرباً نفسية تُشن عليه ويجب عدم الانخراط فيها أو مواجهتها. فالدفاع، بحسبه، مبرر لمعركة، كما هي الحال في جميع حروبه، علماً أن الدفاع يمنحه الغطاء الشعبي لمعركة مفترضة، ويبرر الانخراط بها بأقل انتقادات ممكنة. 

قال أمينه العام، مساء أمس الأربعاء، كلاماً مباشراً عن حرب نفسية تُشن عليه. أطلق بمواجهتها جبهة جديدة، سيكون مسرحها افتراضياً. تدرج في المعركة من التمني، عندما طالب رئيس كتلته النيابية النائب محمد رعد بـ"لغة مهذبة" في مواقع التواصل، وصولاً الى تكتيك المواجهة. 

والحزب في هذه المعركة، أعطاها الطابع الدفاعي، ما يبرر اجراءاته ودعواته. حين قال نصر الله انها المرحلة الرابعة من الحرب عليه، فإنه أعطاها الزخم نفسه الذي يُعطى للمعارك العسكرية والامنية والعقوبات المالية. قال ان "الإسقاطات التي يعملون عليها هدفها تشويه صورة حزب الله في الداخل". وعليه، فإنه اسقط تأثير وسائل الاعلام العالمية التي تتحدث عن آليات عمل الحزب، والاتهامات الموجهة له. حصر التأثير في مواقع التواصل، كونها تستهدف جمهوره مباشرة. ولم يتردد في التوجه الى "كل مغرد سياسي"، قائلاً: "فلينتبه الى كل كلمة يكتبها بتغريدته، كي لا ننجر الى المستوى الذي يريده الاعداء لنا". 

هي حرب اذن. حرب دفاعية، بحسب ما يقول. لكنها في الواقع حرب هجومية. لا يستطيع الحزب، بشخصية معنوية غير رسمية، اقفال مواقع التواصل وتقييدها. فهو ليس دولة، ولا سلطة رسمية قادرة على فرض قيود على التداول الالكتروني. فأطلق المعركة وفق آليتين. الأولى، التشكيك في ما يَرِد فيها، وبالتالي افراغها من مضمونها والطعن في مصداقيتها وموثوقيتها. والثانية، تدعو إلى العزوف عن الانخراط فيها، وبالتالي الحد من تداولها. 

توجه بالدعوة الى الانصار، الذين فقد السيطرة عليهم، قبل الخصوم، أولئك الذين لا يمتلك قدرة على تقييدهم. طالب المحازبين بالتوقف عن نشر معلومات غير محققة، أو الرد على معلومات لا تمتلك أي موثوقية، أو الانخراط في موجات الردود. وهي في الواقع، استراتيجية تحييد جمهوره عما يمكن أن يمسّه، على قاعدة أن ما يُقال غير صحيح، وهو "يندرج ضمن اطار حرب نفسية" موجهة ضده. 

في الواقع، تغريدات جمهور الحزب هي الأكثر تأثيراً فيه، وباعترافه. خلافاً لوسائل الاعلام التابعة له، خرج المناصرون عن السيطرة. قال نصر الله ذلك بشكل مباشر، حين كشف إجراءات تأديبية اتخذها الحزب في حق مخالفين من محازبيه، ولم يفصح عن طبيعتها، بغرض حماية العائلات والأفراد من تداعيات هذا الكشف. لكن العائلات نفسها تتحمل مسؤولية الكشف حين تلجأ إلى مواقع التواصل الاجتماعي بغرض الحديث عن "مظلومية" أحد أفرادها.

على أن الالتباس حول هوية الطرف المباشر في اطلاق المعركة ضد الطرف الآخر، لا يلغي حقيقة جديدة بأن المعركة تخاض على جبهتين. جبهة حزب الله وجبهة خصومه. ثمة مسرح جديد للقتال ينطلق الحزب باتجاهه الآن. مسرح غير تقليدي، أوعز نصر الله بالانتقال اليه لمواجهة حملة اعلامية تستكمل ضده عبر مسرح مواقع التواصل.  

لكن مسرح المعارك الجديد، وخلافاً لتجارب الحزب العسكرية التي حقق فيها انجازات، هو مسرح قتال أكثر تعقيداً وصعوبة. لا يستطيع ضبط المناصرين فيه، كما يضبط العسكر. ولا يستطيع ضبط الخصوم أيضاً. هي حرب مكلفة بالسمعة، وارتداداتها مباشرة عليه، لا على الدولة اللبنانية، ما يفقده الآن أي مدافع عنه، لأن النتائج محصورة فيه.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024