لماذا فشلت الدراما اللبنانية في رمضان؟

إيمان ابراهيم

الإثنين 2020/05/25
مرّ الموسم الرمضاني على الدراما اللبنانية في أسوأ حال. أعمال باهتة أعدّت على عجل، وأخرى اجتهد صنّاعها لكنّهم لم يخرجوا بمادّة جدليّة مثيرة، لتكون الغلبة في لبنان للمسلسلات التركية التي تصدّرت نسب المشاهدة، طارحة أكثر من علامة استفهام حول الانقلاب الجذري في نوعية الأعمال المشاهدة في رمضان، ورؤية السنوات المقبلة التي قد تتغيّر على ضوء نسب المشاهدات هذا العام.

فقد عكست أرقام شركة "إيبسوس" حجم المنافسة غير المتكافئة التي خاضتها المسلسلات اللبنانية، واللبنانية السورية المشتركة، مع الإنتاجات التركية، التي قالت كلمتها منذ الأسبوع الأوّل لتحسم المنافسة لصالحها.

فقبل انطلاق الماراثون الدرامي، بدا أن شاشة "الجديد" تغيب عن المنافسة في رمضان بسبب شرائها حقوق ثلاثة مسلسلات تركية مع عرضها لأعمال عربية سبق أن عرضت في السنوات الماضية، إلا أنّ المحطة تصدّرت نسب المشاهدة في لبنان بحسب "إيبسوس"، بمسلسلات "حب أبيض أسود" و"البحر الأسود" و"فضيلة وبناتها"، ولم تنافسها سوى المسلسلات التركية في شاشة MTV وهي "حكايتنا" و"إمرأة" و"مرارة الحب"، كما دخلت LBCI على خط المنافسة في مسلسل "عشق ودموع".

وغابت عن المنافسة المسلسلات العربية المشتركة، باستثناء "أولاد آدم"، بينما خرج مسلسلا "الساحر" و"النحات" من حسابات المشاهدين، وجاء بعد المسلسلات التركية مسلسلا "بالقلب" و"بردانة أنا"، وهما مسلسلان عرضت منهما بضع حلقات قبل رمضان، وتمّ إيقافهما في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي بسبب اندلاع الثورة وتخصيص هواء المحطات لنقل التحركات الشعبية، ليكون العرض الرمضاني من نصيبهما.

فما سبب تفوّق المسلسلات التركية في لبنان، حتى في رمضان الذي يعتبر ذروة الإنتاج الدرامي وتراهن عليه شركات الإنتاج والمحطات التلفزيونية لحصد أعلى نسبة مشاهدات وإعلانات؟

أسباب عديدة تقف وراء تراجع الدراما المحلية والعربية هذا العام، أوّلها الحجر المنزلي، والتصاق المشاهدين بالتلفزيون كوسيلة تسلية وحيدة، وإطلاعهم على أهم الإنتاجات وأحدثها عبر الإنترنت. فمن لم يشترك في "نتفليكس"، بات يشاهد الأعمال الجديدة عبر "يوتيوب" أو المنصات المجانية، ما وضع الإنتاجات المحلية في مأزق. فما تقدّمه، رغم جودة الصورة والإخراج والتقنيات المستخدمة، لا يضاهي، لناحية جودة القصص وتنوّعها، الإنتاجات الغربية والتركية، وكل ما يقدّم يدخل في إطار المتوقّع الذي لا يثير أي فضول أو دهشة.

فعلى مدى سنوات، برعت شركات الإنتاج في استخدام أفضل تقنيات التصوير، لكن الخلل كان في مكان آخر، الوجوه نفسها تتكرّر في كل المسلسلات، والأسماء نفسها للكتاب والمخرجين، حتى بات المُشاهد يتوقّع الأحداث مسبقاً، وبالكاد يشاهد عملاً بقصّة مبتكرة.

في هذا الوقت، كانت محطاتنا التلفزيونية تستورد الدراما التركية وتعرضها، ورغم الفكرة السائدة أن الدراما التركية هي قصص حب مكرّرة، فقد برع الأتراك في تقديم الدراما التاريخية، والقصص الاجتماعية والبوليسيّة، بما يحترم توجّهات الجمهور. إذ يصوّر العمل ويعرض بالتزامن مع تصويره بمعدّل حلقة كل أسبوع، وبحسب ردود أفعال المشاهدين قد تتغيّر الحبكة وتُصحّح الثغرات، وإن سقط المسلسل في فخ الرايتنغ يتم إنهاؤه بعد محاولات إنقاذ.

أما الدراما المحلية، فقد دأبت على طريقة عمل لا تتغيّر. تختار شركة الانتاج مع المحطة التي تتعاقد معها، اسم الممثل، ثم نوع القصّة، ثم توكل للكاتب كتابتها في غضون أسابيع، ويبدأ التصوير غالباً بعد رأس السنة، وخلال أشهر قليلة يتم إنجاز مسلسل من ثلاثين حلقة تعرض يومياً، يصبح معها هامش الخطأ أكبر، وإمكانية تصحيحه ضئيلة. كما أن الوقت غالباً ما يداهم فريق العمل، فيضطر إلى اقتطاع بعض المشاهد، أو العمل على عجل، ما يؤدّي إلى إغفال الكثير من التفاصيل التي تظهر على الشاشة ركيكة تضعف بنية العمل.

وما يميّز الدراما التركية، عدد حلقاتها الطويلة، إلا أنّ ملء الهواء بالفراغ ممنوع، لأنّ ثمة جمهور يحاسب، ومزاج عام يحكم على المسلسل بالإعدام بمجرّد أن يعزف عنه ويصبح مصيره الإيقاف. بينما في الأعمال العربية، فإن 30 حلقة رمضانية، غالباً ما يمكن اختصارها في نصف عددها، تقوم على المطوّلات، حتى أن ثمّة حلقات تمرّ من دون أن تحمل أي أحداث، في ظل البطولة المطلقة، والأحداث كلها تدور حول البطل، مع أدوار مساندة لملء الفراغ، لا لإغناء القصّة.

أمّا النقطة الأهم، فهي إسناد الأدوار إلى ممثلين محترفين، فحتى عارضي الأزياء وملكات الجمال الذين احترفوا التمثيل في تركيا، خضعوا للكثير من الدّورات قبل أن يقفوا أمام الكاميرا. أما في لبنان، فما زلنا أمام معضلة عارضات الأزياء وملكات الجمال اللواتي يتصدّرن المشهد، بإمكانات تمثيلية ضئيلة، لا يأخذ معها المشاهد ما يشاهده على محمل الجد، مع تساؤلات تُطرح حول إصرار المنتجين على الممثلات الجميلات، في وقت أثبتت فيه أهم الإنتاجات العالمية التي غزت المشاهدين العرب عبر "نتفليكس" مثل La Casa de Papel والدراما الإسبانية عموماً، أن الغلبة للموهبة وليس للشكل، وأنّ أكثر الأعمال مشاهدة في العالم العربي لم تكن بطلاتها نساء جميلات، بل ممثلات موهوبات لا يمتلك بعضهن أدنى مقومات الجمال.

وكان المنتجون قد تلقّوا صفعة الموسم الماضي، عندما دخلت المنصات العالمية منافسة للمحطات التلفزيونية، وراهنوا على أنّ هذه المنصّات ليس متاحة للجميع، وأن الجودة التي تقدّمها مادّة متاحة لفئة معيّنة من المشاهدين فحسب. لتأتي الدراما التركيّة في رمضان، وتؤكّد أنّ تصدّر الإنتاجات اللبنانية، في السّنوات الماضية، لم يكن سببه إلا إحجام المحطات عن عرض مسلسلات تركية في رمضان.

فهل يغيّر المنتجون آلية عملهم في رمضان المقبل؟ وفي وجود الإنتاجات التي تعرض على مدار السنة، هل ثمّة حاجة فعلية لدراما رمضانية أصلاً؟
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024