جهات تلجأ اليها إسرائيل لتسعير المعركة ضد لبنان..من هي؟

أدهم مناصرة

الأربعاء 2021/02/10
تلويحٌ بمعركة محتملة مع "حزب الله"، حركة نشطة لمسيّرات في سماء لبنان، وتهديدٌ بتكبيد اللبنانيين "ثمناً باهظاً" في المواجهة المقبلة، ثم مناورة عسكرية قبالة الحدود.. هذه محطات حملة إسرائيلية "شبه ناعمة" ترنو الى وضع لبنان على سلّم التصعيد ونشرات الأخبار.
يُراد بالحملة أن يتصدر "حزب الله" وصواريخه دعاية إسرائيل الآخذة بالتكثيف.. دعايةٌ تنبأ بتصاعدها المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل، الشهر الماضي، إذ رجّح أن مساعي إسرائيل السياسية ضد مشروع صواريخ حزب الله "الدقيقة" ستتصاعد مع تهديدات ودعاية أيضاً طوال السنة الحالية.  

ولتحقيق "الصدى" المطلوب للدعاية، تلجأ إسرائيل بشكل لافت خلال الأشهر الأخيرة إلى منظمات غير حكومية مُغطّاة بغلافٍ حقوقي أو بحثي "مهني"، فتصدر التقارير والبيانات المطلوبة. وهذه المنظمات، إما ممولة من جهات يمينية، أو مدعومة من الحكومة الإسرائيلية وأجهزة الاستخبارات.

ثلاثة أشهر فصلت بين تحذير أرسلته منظمة "شورات هادين" الإسرائيلية، إلى الطيران الدولي في حال واصل الهبوط في مطار بيروت، بحجة أن أسلحة حزب الله "المُخزّنة" قرب المطار "قنبلة موقوتة" ستنفجر في أي لحظة.. ثمّ تنبيه جديد مِن مركز "ألما" الإسرائيلي للبحوث والتعليم للشؤون الجيوسياسية حول "صواريخ يُخبئها الحزب قرب مدارس".

والقاسم المشترك بين تقرير سابق عن جهود المنظمة اليمينية "شورات هادين" بصفتها "حقوقية" لعزل مطار بيروت دولياً، والتنبيه الجديد من قبل مركز "الما" الذي يقف وراءه ضباط اسرائيليون متقاعدون، هو صواريخ وأسلحة حزب الله "المخبأة".. علاوة على أن صحيفة "إسرائيل اليوم" المقربة من بنيامين نتنياهو، هي التي تولّت النشر عن كليهما؛ انسجاماً مع حاجة زمنية وظرفية للبروباغندا الإسرائيلية المتصاعدة في هذا التوقيت ضد لبنان.

وكانت باكورة التهديد الإسرائيلي، بأن اوساطاً عسكرية ادعت علمها بكل بيت في لبنان خبأ فيه حزب الله صواريخه، وأنه لن يتردد في قصفه إذا ما حانت الفرصة. 

وبحثت "المدن" عن مركز "ألما" ومرجعيته، فوجدت أنه غير معروف على نطاق واسع في اسرائيل، لكن اتضح أنه يتخذ من منطقة الجليل مقرّاً له، ويهتم بمراقبة ما وراء الحدود الشمالية مع سوريا ولبنان. ورُصدت اسماء يهودية وعربية لكتّاب يعملون لصالح المركز.

ومن بين الأسماء والمؤسسين للمركز، سيريت زهافا، التي عملت في الجيش الاسرائيلي 15 عاماً. ثم عززت دراستها المتخصصة في مجال الشرق الاوسط وتحديداً سوريا ولبنان.
وبالنظر إلى مكان وجوده وطبيعة الكُتّاب، يُستبعد أن يكون مركز "ألما" يمينياً بشكل كامل، لكن يُرجح قربه من دوائر استخباراتية.

وتمكنت "المدن" من تقدير عدد المراكز البحثية الإسرائيلية، يمينية أو غير ذلك، بـ72 مركزاً ومعهداً. ولعلّ المراكز ذات التوجه اليميني منها، زادت عدداً ونشاطاً في السنوات العشر الأخيرة، منذ أن سن الكنيست قانوناً يراقب الجمعيات والمنظمات اليسارية في اسرائيل، ما أدى إلى تجفيف مواردها المالية. وهو ما نتج عنه تنامي منظمات اليمين في المقابل، والتي حظيت بدعم من جهات مختلفة يصل إلى مئات ملايين الدولارات، ما دامت تقوم بعمل ينسجم مع الماكينة الدعائية الرسمية.

بالخوض في طريقة معالجة مركز "الما" لصواريخ "حزب الله"، فإنه "يشتبه" في مؤسسة خيرية اجتماعية تسمى "لجنة الأوقاف الإسلامية الشيعية" في برج البراجنة. استخدمها "حزب الله" لتخزين مجموعة من صواريخ "فاتح 110" متوسطة المدى قرب مواقع مثل مدرسة ثانوية في بيروت.. مسلطاً الضوء على ما اعتبره "استخدام حزب الله المنهجي للبنية التحتية المدنية لحماية تخزين الصواريخ ومواقع الإطلاق في لبنان".

بالتعمّق في مضمون تقرير "ألما"، يتّضح أن سردية الجنرالات "المتقاعدين" الذين يقفون وراء البحث المزعوم، تُحاكي الطريقة المخابراتية، لمجرّد تعقّب المنظمة الخيرية "التابعة" لحزب الله ثم تفصيل أذرعها وعددها.. مروراً بمحاولته استخراج بيانات وجمع معلومات قادت الى الكشف عن هويات أصحاب الأراضي والمباني اللبنانية الواقعة بجوار "مواقع حزب الله".. وهو ما يعطي انطباعاً بأن هذا المركز البحثي الاسرائيلي مُجنّد ومُموّل من الماكينة المخابراتية وإن ادّعى "استقلاليته".
وكي تتحقق الغاية بتثبيت رواية الاحتلال الرسمية، أقر مركز "ألما" بأن "حزب الله" لم يتمكن من انتاج صواريخ "دقيقة" على أراضي لبنان حتى الآن، وأنه ما زالت لديه عشرات الصواريخ الدقيقة فقط.. لكنه يعود ويرفع وتيرة التحذير، عبر استدراكه: "لكنك تحتاج فقط لصاروخ (واحد) لضرب المقر المركزي للجيش الإسرائيلي في تل أبيب لتحقيق صورة نصر".

يبدو أن المستوى الرسمي الاسرائيلي يرى أن خطابه غير كاف لإقناع العالَم بشأن "خطورة أنشطة حزب الله ومساعيه حيال إنتاج الصواريخ الدقيقة وتخزينها". فراح إلى تفعيل أذرعه المتمثلة في منظمات ومراكز غير حكومية سواء حقوقية أو بحثية (يمينية أو استخباراتية) لتنشر تقارير تضفي "مصداقية" على رواية إسرائيل، خصوصاً في هذه المرحلة.

ويقول المتخصص في الشأن الإسرائيلي، عادل شديد لـ"المدن"، إن المنظمات والجمعيات اليمينية في اسرائيل تبدو غير حكومية، وإن تلقّت دعماً حكومياً وأيضاً من جهات يمينية في الداخل والخارج.. لكن إسرائيل تستفيد منها بأكثر من اتجاه: الأول، إن نشاط هذه المؤسسات من شأنه أن يعزز رواية الحكومات اليمينية، ما يحقق مجموعة من الإنجازات لصالح الدعاية عبر القول بأن "الحكومة لا تقول شعارات بل حقائق".

أما الفائدة الثانية للمنظمات الإسرائيلية غير الحكومية، فهي أن وجودها يخفف الضغط الدولي المفترض على اسرائيل، تحت ذريعة أن هناك مؤسسات ومجتمعاً مدنياً في إسرائيل تمارس ضغطاً على الحكومة في مواضيع معينة، لا سيما الأمنية منها.

والفائدة الثالثة أن جزءاً من وظيفة هذه المؤسسات والمنظمات اليمينية الإسرائيلية، هو تخفيف عبء العمل على "مؤسسات الدولة" لخدمة المشروع اليميني الاستيطاني. ونذكر هنا مؤسسة "ريغافيم" الاستيطانية- على سبيل المثال- والتي تتولى مراقبة وملاحقة البناء الفلسطيني في المنطقة المصنفة "ج" بالضفة الغربية.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024