الممانعة تقصف هشام حداد بسبب جوليا "المُعادية للثورة"

وليد بركسية

الأربعاء 2020/09/23
لا يتعلق الهجوم الذي يتعرض له الإعلامي اللبناني هشام حداد، بعد انتقادات وجهها للمغنية جوليا بطرس على خلفية موقفها الرمادي من الثورة اللبنانية ضد الطبقة السياسية، بمسألة محبة الجمهور للفنانين المحليين والتي تبلغ حد التقديس أحياناً، كما هو الحال مع أسماء مثل فيروز أو ماجدة الرومي. بل يتعلق الأمر بانزعاج جمهور الممانعة من فكرة الثورة اللبنانية والحراك في البلاد، وربط تلك المفاهيم العامة بكونها "النقيض" لمقاومة إسرائيل.

ووصل الهجوم حد إطلاق ألقاب معيبة، مثل المهرج والتافه، على حداد الشهير ببرامجه الساخرة، سواء في وسائل إعلام محلية أو في مواقع التواصل. ولم يكن منبع الغضب هو الحديث عن "الفن الملتزم" الذي تمثله بطرس، بوصفه فناً تجارياً في النهاية إن لم يقترن بأفعال على الأرض، وهو ما تجلى في غياب صاحبة "وين الملايين" عن المشهد تماماً حتى بعد انفجار بيروت في آب/أغسطس الماضي. بل كان الغضب آتياً من أن واحداً من الثوار الجدد يتطاول على سيدة من سيدات المقاومة، حسب التعبير السائد.


وكان حداد قال في لقاء إذاعي بأنه كان من المفترض بجوليا، إما أن تعبر عن دعمها للمطالب وترفض القول عن زوجها الوزير الياس بو صعب بأنّه فاسد، أو التزام الصمت تجاه كافة القضايا وهو الأمر الذي فعلته السيدة فيروز. مضيفاً بأنّها "من الواضح وقوفها ضد الثورة الحاصلة في لبنان، لكنّها لم تعبّر حتى عن هذا الموقف كي لا تخسر جمهورها المؤيد للتحركات والذي يُشارك فيها".. خصوصاً أن أغانيها كانت، في أحيان كثيرة، تصدح في ساحات الثورة، وهو الأمر الذي أثار النقاش أكثر من مرة في صفوف جماعات 17 تشرين، أن كيف تُبث أغاني فنانة معروفة بتأييدها وارتباطها بأحزاب السلطة والممانعة ونظام الأسد في سوريا، كما حوّلت خطاب حسن نصرالله إلى أغنية "أحبائي"؟ 

وقال عنها حداد في لقاء آخر:" وحدة بتغني للثورة، وبتحمل مواقف سياسية، بس يجي الوقت والأمور على المحك بتسافرعلى باريس وعلى دبي؟ او بتقعد بالبيت إذا ما سافرت؟ ليه، ما طارت نصف العاصمة". مكملاً: "وينك وينك؟ أغاني فقط، بس منغني، يعني هيك ما إلك معنى.. متلك متل أي مغنية عادية. عنذئذ تصبح اي فنانة تغني: تعلى وتتعمر يا دار، في نايت كلوب، تماماً مثل فنانة أخرى تغني أحبائي في حفلة موسيقية، إذا كانت كل منهما غير معنية بالشارع والناس".

ومنذ أشهر، بات هناك اتجاه واضح لشيطنة الشعب اللبناني المُطالب بالتغيير، عبر إطلاق صفات على الثوار، مثل "الزعران"، في مقابل تقديم صورة بديلة لما يراه جمهور الممانعة ثورة حقيقية، ترتبط حصراً بمقاومة إسرائيل. وبالتالي ربما شعر جمهور الممانعة بأن انتقادات حداد لبطرس، تطاوله مباشرة، كونها تتحدث عن حالة النفاق ضمن هذا المحور الذي يتحدث زعماؤه طوال الوقت عن مناصرة الشعوب، بينما يقومون بأنفسهم بقمع الشعوب المحلية، ليس فقط في لبنان وفي مناطق نفوذ أحزابهم، بل في دول المنطقة أيضاً.

ومع التسليم جدلاً، بأن بطرس تمثل المقاومة والثورة بمعناها الأيديولوجي كفكرة رومانسية، فإنها معروفة أيضاً بتأييدها وقربها من الأنظمة الاستبدادية التي تتبنى تلك الفكرة بشكل صوري، ولا يتعلق الأمر فقط بحزب الله، بل سبق أن أهدت رئيس النظام السوري بشار الأسد أغنية، في العام 2012، بعنوان "أطلق نيرانك لا ترحم"، واعتبرها ناشطون دعماً لقواته في قمع الثورة السورية التي كانت سِلمية حينها. كما أن تلك الأنظمة السياسية، على مرّ السنوات، كرست تلك الأسماء كرموز وطنية فوق مغني البوب "التافهين"، في علاقة نفعية متبادلة.

ولعل حالة التشنج من التعرض لأسماء مشهورة، وتحديداً تلك التي تقدم الفن المحافظ اجتماعياً، مثل جوليا أو ماجدة أو فيروز، وأسماء أخرى في العالم العربي، تشير ضمنياً إلى قضية تقديس المشاهير. ومن هنا كانت كلمة أيقونة ملازمة للحديث عن بطرس، ومن قبلها فيروز عند لقائها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو لماذا يعتقد البعض أن تلك الأسماء التي تنشط في الفضاء العام، بعيدة من النقد، خصوصاً أن كان النقد موضوعياً وبعيداً من التجريح الشخصي، مثل الانتقادات التي وجهها حداد لبطرس؟

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024