وزير التربية السوري "ينظف المدارس"..حبة الكرز فوق كعكة التضليل

وليد بركسية

الثلاثاء 2020/03/17
تشكل الصور المتداولة لوزير التربية السوري، عماد العزب، وهو "يشرف على تنظيف المدارس بيديه"، حبة الكرز الصغيرة فوق كعكة سياسة التضليل التي اعتمدها النظام السوري في تعامله مع أزمة فيروس كورونا المستجد في البلاد، والتي تراوحت بين إنكار وجود الفيروس في البلاد، إلى اعتباره حرباً بيولوجية تستهدف النيل من حلفاء "الدولة السورية" بعد إنجازات الجيش السوري الأخيرة في ريفي حلب وإدلب.


ونشرت صفحات موالية للنظام صوراً لجولة العزب، الثلاثاء، في مدرسة ببيلا للبنين بريف دمشق. بينما نشرت صفحة وزارة التربية في "فايسبوك" مقطع فيديو له، لم تتجاوز مدته 8 ثواني، بموازة لقاء مصور مع عدد من وسائل الإعلام المحلية إلى جانب محافظ ريف دمشق علاء منير إبراهيم.



وإن كان أسلوب توزيع صور المسؤولين وهم يشاركون في نشاطات مماثلة، أمراً مألوفاً في سوريا الأسد منذ عقود، إلا أن العزب هنا يختلف عن زملاء له شاركوا في نشاطات مماثلة في السنوات الأخيرة، ومن بينهم وزير المالية مأمون حمدان وهو يكنس الشوارع في يبرود أو وزير التجارة الداخلية السابق عبد الله الغربي وهو يتجول بين المخابز من أجل نشر العدالة، لأن تلك المساهمات كانت تهدف إلى تلميع صورة المسؤولين عموماً أمام الرأي العام المحلي ضمن البيئات الموالية، ومحاولة خلق ارتباط جديد بين النظام والسوريين بعد سنوات الحرب وفقدان الثقة بالنظام واهتزاز شرعيته رغم سيطرته العسكرية على مناطق ثارت ضده بعد العام 2011.

ولعل صور العزب تشابه بالتحديد، صور وزير الداخلية السابق محمد الشعار في حلب العام 2018 وهو يعتقل مندوباً بسيطاً في نقابة الأطباء، يتقاضى مبلغ 50 ليرة سورية زيادة على الرسم المطلوب. حيث يشكل المقطعان تمثيلاً حرفياً لسياسة النظام في التركيز على هفوات المواطنين وإلقاء اللوم عليهم في المشاكل التي تحصل في البلاد، بالقول أن السوريين أنفسهم يشكلون عوائق في درب الإصلاح الرسمي، أو أسباباً للمشاكل التي تحصل رغم "تفاني الجهود الرسمية"، والتي يمثلها في حالة العزب، فيروس كورونا المستجد.

يتضح ذلك بالنظر إلى بقية الإنتاجات الدعائية الخاصة بفيروس كورونا والحملات التوعوية التي أطلقتها وزارة الإعلام ومشاركات العاملين في الإعلام الرسمي عبر مواقع التواصل، والتي تقوم جميعها على فرضيتين لا ثالث لهما، بشأن تطور انتشار الفيروس في سوريا. وتقول الفرضية الأولى أن سوريا ستكون الدولة الوحيدة الخالية من المرض في العالم بسبب الإجراءات الوقائية التي اتبعتها "الدولة السورية" في هذا الإطار، بينما تقول الثانية أن البلاد ستنتقل من الواقع المشرق في الفرضية الأولى، لتصبح دولة متأزمة يتساقط فيها المصابون موتى في الشوارع، بسبب عدم وعي المواطنين وعدم التزامهم بنصائح الدولة التي ستكون عاجزة عن احتواء الموقف رغم تحذيرها منه.



والحال أن لوم السوريين على كل ما يحصل في سوريا من انهيار، على كافة المستويات، ليس جديداً، فإعلام النظام الرسمي وشبه الرسمي، اعتمد ذلك الطرح حتى في فترة ما قبل الثورة السورية العام 2011، بتعويم أفكار سامة مفادها أن الشعب السوري غير واع ويحتاج إلى القيادة الحكيمة التي توصله إلى بر الأمان، ما يستوجب الطاعة التامة، وتكرر ذلك بعد الثورة بكثافة، ويمكن تلمسه مثلاً في برامج مثل "قولاً واحداً" الذي قدمته قناة "سما" شبه الرسمية العام 2015، أو برنامج "منقدر" الذي تعرضه قناة "لنا" الموالية منذ مطلع العام الجاري وحتى في الدراما السورية في مسلسلات مثل "الندم" للكاتب حسن سامي يوسف والمخرج الليث حجو، العام 2016، وحتى في قضية انهيار سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الرئيسية، قبل أسابيع.

وبغض النظر عن الاتهامات المتكررة للنظام بإخفاء معلومات حول وجود إصابات بفيروس كورونا في البلاد، قدرتها وسائل إعلام كبرى ومنظمات طبية، بنحو 2400 إصابة على الأقل، وتحديداً بعد حديث السلطات الباكستانية عن أن مصدر بعض الحالات المسجلة في البلاد يرجع إلى أشخاص عادوا مباشرة من سوريا،  فإن النظام استغل فكرة المرض نفسه من أجل تجاوز مشاكله المحلية الأخيرة، والمتمثلة في النقمة الشعبية بشأن انعدام الخدمات الأساسية في البلاد، والتي دفعت سكان محافظة السويداء قبل أشهر للتظاهر بشكل نادر للمطالبة بتحسين الظروف المعيشية.

وتم تعميم مقولات بأنه يجب تأجيل الخوض في نقاشات حول مشاكل البلاد "الثانوية" أمام الوباء نفسه، كما انتشرت مقارنات لـ"الأمان" في سوريا مقابل "حالات الهلع" في "دول الغرب السفيه الفاجر"، التي تسببت بها وفق هذا المنطق الأعوج سياسة الشفافية المعتمدة بين الحكومات وشعوبها. وبالطبع كانت نظريات المؤامرة حاضرة، والتي تحدثت عن كون الفايروس محاولة أميركية لضرب الاقتصاد الصيني الحليف.



ويبدو وكأن النظام يرى بإفصاحه عن حالات المرض في البلاد، أو تقديم معلومات دقيقة بشأنه، مشكلة قد تخلق ضغوطاً إضافية عليه ضمن البيئة الموالية، أو اهتزازاً لصورة النصر على الإرهاب التي روج لها مؤخراً. وبالتالي، تم اعتماد هذا النمط المزدوج القائم على التعتيم حول المعلومات الحقيقية بشأن حالات المرض في البلاد من جهة، ونشر المعلومات الدعائية التي تصور الجهود الزائفة لمكافحة انتشار الفيروس من جهة ثانية، لكسب الوقت وتجهيز سردية محكمة تكمن النظام من التنصل من المسؤولية عندما تخرج الأمور عن نطاق السيطرة، عبر إلقاء اللوم على السوريين أنفسهم.

ويتصرف النظام هنا بمنطق فائض القوة، مدفوعاً بضرورة وجود خصم يعلق عليه النظام كافة مشاكل البلاد، الاقتصادية والخدمية وحتى الصحية، بدلاً من مكافحة أسبابها الحقيقية. وفيما كان "الإرهابيون" و"العصابات المسلحة"، الشماعة التي ألقيت عليها تلك المشاكل خلال السنوات الماضية، بات ذلك متعذراً اليوم مع ترويج النظام لفكرة "انتصاره" في الحرب السورية، ما يستدعي البحث عن عذر جديد، هو المواطنون أنفسهم!

ويعني ذلك أن هؤلاء المواطنين المساكين أصبحوا العائق أمام تقديم النظام لصورته الحضارية ولا بد من تعليمهم على "الانضباط". وبرز ذلك حرفياً في البرامج الحوارية بشأن الوقاية من كورونا، وبالتحديد البرامج الصباحية "الخفيفة"، التي تعرض هذه الأيام لقطات من الحياة اليومية التي ترصد "أغلاط" المواطنين، ومقارنتها بالتعليمات الرسمية "الحضارية" الخاصة بكورونا. علماً أن النظام فرض عدداً من الإجراءات للحد من انتشار كورونا بموازاة استمرار إنكار وجوده في البلاد، ومنها تعليق الدوام في المدارس والجامعات وإغلاق المساجد والكنائس وتعقيم وسائل النقل العامة. 



 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024