سيناريوهات ما قبل التدهور الامني في لبنان

نذير رضا

الإثنين 2020/09/14
ثلاث كلمات تحكم مسار الامن اللبناني خلال الايام المقبلة، تتلخص بعبارة "لا تلعبوا بالنار" التي تداولها بوفرة أنصار "الثنائي الشيعي" في مواقع التواصل الاجتماعي ليل الاحد-الاثنين، إثر وصول مباحثات تشكيل الحكومة اللبنانية الى حائط مسدود، واتخاذ الثنائي قراراً بعدم المشاركة في الحكومة وفق الشروط الموضوعة "لبنانياً وليس من الخارج"، بحسب وصف رئيس البرلمان نبيه بري. 
ويضع الافق المسدود لبنان أمام اختبار أمني قاسٍ، لم تشهده منذ العام 2008، إثر اهتزاز العلاقات السياسية ونهاية التسويات التي تلت مرحلة التوتر في العام 2005. فالنظرية الحاسمة بأن الامن في لبنان "سياسيّ"، لا تشوبها تقديرات وضمانات دولية غير سياسية، ولم تبقِ، إثر التوتر القائم، أمام رئيس البلاد الا خيار الاتصال بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لتجنب سيناريوهات التأزيم الأمني. 

فالسيناريوهات المطروحة أمام العهد الآن ثلاثة. أولها توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون على التشكيلة الحكومية التي تتضمن مداورة في الحقائب، ومن ضمنها وزارة المالية. ستسعد الحكومة اخصام "حزب الله"، لكنها في الوقت نفسه لن تحاصر توترات امنية صغيرة تشغل الجيش اللبناني في الداخل، انطلاقاً من أن الامن سياسي، سواء عبر احتكاكات في مناطق التوتر السابقة بين المسيحيين والشيعة (الشياح-عين الرمانة، أو زقاق البلاط-الرينغ...)، او التوترات بين الشيعة والسنة (قصقص-الشياح، أو كورنيش المزرعة – جمال عبد الناصر).. 

السيناريو الثاني يتمثل في عدم توقيع عون على التشكيلة الحكومية التي سيقدمها الرئيس المكلف مصطفى أديب له يوم الاثنين. وعليه، فإن خصومه وناشطي المجتمع المدني، سيملؤن الساحات في ساحة الشهداء والذوق وجل الديب، وبالتالي ستشغل الجيش اللبناني بمحاصرة التوترات للحفاظ على الاستقرار. 

ولن يكون امامه الا اللجوء الى ماكرون للتوصل الى صيغة مقبولة، في السيناريو الثالث، لمحاصرة اي توتر أمني مفترض ينهي العهد قبل أوانه بعامين. صيغة لن يرفضها الثنائي الشيعي، كأن يسمي أي طرف وزير المالية الذي سيكون من الطائفة الشيعية. ذلك ان هذه الحقيبة تمثل التوقيع الثالث الى جانب توقيع رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية على المراسيم والقرارات التي تتطلب انفاقاً مالياً، وبالتالي، هي مشاركة الطائفة في السلطة التنفيذية التي اكتُسبت عُرفاً في اتفاق الطائف، قبل أن يحجبها الوجود السوري عنها، وتستعيدها الطائفة في حكومة الرئيس تمام سلام في العام 2014. 

ويبدو سيناريو التوتر هو الاكثر حضوراً. لا يتردد الشيعة بالتأكيد ان ما جرى هو استبعاد لطائفة، أو اقصاء لها، أو في أقل التقديرات، محاصرتها سياسياً. وبالتالي، ثمة تعبئة طائفية حصلت، تم التعبير عنها في مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم "#ما_فيكن_بلانا. استعرض فيه الجمهور خطابات الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله التي قال فيها ان نزول الحزب الى الشارع لن ينتهي قبل تحقيق مطالبه، خلافاً للمتظاهرين. 


وأعاد آخرون نشر المقطع المرئي لنصر الله الذي قال فيه "اننا عملنا على ضبط الساحة لمنع جرها الى الشارع واسقاط الدولة والحرب الاهلية"، وتعبير "حافظوا على غضبكم وغيظكم، قد نحتاجه في يوم من الايام لننهي كل محاولات جر لبنان الى حرب اهلية".
ويستذكر آخرون تجربة العام 2005 حين كانوا حلفاء سوريا في موقع الانكسار أمام التغييرات الدولية، ويعتبر هؤلاء "أننا الطرف الرابح، ونحن نفرض شروطنا". وقال هؤلاء: "ثلاث كلمات: لا تلعبوا بالنار"، تكراراً لعبارة نصر الله السابقة. 
والحال ان التوتر الامني يسابق الحلول. فقد فُرضت هذه المعادلة، على الاقل في مواقع التواصل الاجتماعي، في مقابل نظرية "الطرف المأزوم" في اشارة الى عون وحزب الله وحركة أمل الذين يداهمهم الوقت للسير بتشكيلة حكومية خارج حساباتهم. وضعت المعادلة في مواقع التواصل، في مقابل كل محاولات تخطي النظام الطائفي والحسابات السياسية وموازين القوى الجديدة. البلد امام ساعات حاسمة، سيحسم مسارها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون. 
 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024