الأثرياء الجدد في لبنان الأزمة

قاسم مرواني

الإثنين 2020/12/07
تَراهم على الكورنيش الغربي لمدينة صور، يجوبون بسياراتهم من دون هدف محدد، سيارات "شيفروليه كامارو"، "رانج روفر"، "كورفيت"، "مرسيدس" وأحياناً "بورش" أو "فيراري". 

يجتازون الكورنيش البحري جيئة وذهاباً، كعِقاب أبدي، يرفعون صوت الأغاني الرديئة عالياً لجذب الأنظار إليهم، يمد بعضهم يده من نافذة السيارة ليظهر ساعة "رولكس" ذهبية. وفي قرى الجنوب تستطيع أن ترى قصورهم الضخمة منتشرة على التلال.

كانوا في غالبيتهم شباباً لم يستحصلوا من العِلم إلا قليلاً، ولم يحققوا أي نجاح يذكر في بلدهم فاضطروا إلى الهجرة، حاملين مهم ضغينة لمجتمع لطالما نظر إليهم بِدونية، وبلد لم يؤمن لهم فرصة تحقيق طموحاتهم.

توزعوا على بلدان أفريقيا وأميركا اللاتينية، القليل منهم توجه إلى أوروبا. بعضهم عمل في التجارة وحقق نجاحاً لا بأس به، لكن جزءاً كبيراً منهم حقق ثروته عبر التجارة غير المشروعة للمعادن الثمينة، أو تجارة المخدرات أو تبييض الأموال.

عندما عادوا إلى لبنان، بثرواتهم حديثة العهد، كان جلّ همّهم تغيير نظرة المجتمع القديمة تجاههم وإعلاء شأنهم. لم يجمعوا من العِلم والثقافة شيئاً يُذكر، فكانت وسيلتهم الوحيدة، امتلاك ما يعجز عنه الآخرون. بنوا قصوراً ضخمة، هدروا عليها ملايين الدولارات، لكن معظمها خالٍ من الذوق ويفتقد للحس الجمالي. صناديق اسمنتية غالية الثمن، موزعة هنا وهناك، لا تتناسب مع حاجاتهم، تماماً مثل سياراتهم الرياضية الملفتة للنظر لكنها عاجزة عن السير على طرق لبنان الوعرة.

مَن يبني القصر الأكبر هو صاحب المكانة الأعلى، قصور تبقى فارغة طوال العام، تصبح منازل دائمة للنواطير الذين ستكون مهمتهم الاهتمام بالحدائق أثناء غياب أصحابها. عندما يعودون من سفرهم، سيستعملون مساحة لا تزيد عن عشرة في المئة من قصورهم المهيب، هي كل حاجتهم.

تسلقوا بفعل ثرواتهم السلَّم الاجتماعي، لكنهم بقوا يفتقرون إلى منظومة القيم والأخلاق، يحتقرون الفن والثقافة والعِلم، يشترون احترام الناس بأموالهم، يحاولون جاهدين الظهور بمظهر المتمكنين من نعمتهم، المستحقين لها، لعلمهم خلاف ذلك تماماً. يتصرفون بنرجسية وفوقية، ويتفاخرون بما لديهم، مدركين عجز الناس وفقرهم. يبذّرون أموالهم لهدف واحد فقط، وهو إظهار ثرائهم للآخرين والحصول منهم على الاعتراف والتقدير.

في السنوات السابقة، ومع حالة الاستهلاك المفرط التي وصل إليها المجتمع اللبناني، بات التباهي أمراً صعباً. الجميع مثلاً يملك أحدث الهواتف الذكية، السيارات الحديثة والرياضية تملأ الشوارع، الجميع يرتدي العلامات التجارية غالية الثمن، لكن أحداً لا ينتج.

الأزمة الاقتصادية، تعيد للمجتمع وللناس حجمهم الاقتصادي الحقيقي. وفي المقابل، ستكون الأزمة رافعة للكثير من الناس، من الفقر إلى الثراء الحديث.

عناصر "حزب الله" في الجنوب مثلاً، الذين عاشوا طوال ثلاثين عاماً في فقر نسبي، حين كانت صورة المقاوم في أذهان الناس ترتبط بالإنسان الفقير الذي زهد في الدنيا ونذر نفسه للدفاع عن أرضه، باتوا الآن حديثي نعمة إلى حد ما، في مجتمع فقير بالكاد يستطيع إعالة نفسه. بدأت صورتهم تتغير، الناس يتحدثون عن شرائهم السيارات وبناء المنازل وتبذير الأموال. أصبحوا، ولو بنسبة معينة، حديثي نعمة.

سيجد حديثو النعمة في المجتمع الجديد، مجتمع الأزمة، فرصة جيدة للتباهي ونيل الاحترام، عبر إنفاق القليل من المال. لن يضطروا لإضافة قصر ضخم فوق تلالنا، ليسوا بحاجة لصم آذاننا بالأغاني الرديئة للفت النظر، لن يضطروا لشراء السيارات الرياضية غالية الثمن، سيكون التباهي سهلاً في مجتمع تعاني غالبية سكانه من القلّة. وبالطبع، سيكون سهلاً عليهم نيل الاحترام والطاعة، ولو كان التقدير مزيفاً ولمَصالح آنية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024