غسيل وجه النظام السوري: مهمة لبنانية

نذير رضا

الأربعاء 2018/08/08
الاستنتاج بأن "دمشق الأسد" تعتاش على فرح اللبنانيين، ينطوي على وقائع تسعى عاصمة النظام إلى تثبيتها عبر استضافة مغنين لبنانيين، وفتح مسارحها لهم، للتأكيد بأن البلاد استعادت عافيتها. هبّ اللبنانيون اليها، سياح ومغنين ورجال أعمال، بخلفية نفعية أو سياسية. 

أما المغنون، فارتادوها تعويضاً عن استبعاد كثر منهم من مهرجانات لبنان، على قاعدة "فتح سوق جديد" في سوريا، وهي المقاربة التي يتبناها رجال الأعمال الذين فتحوا عيونهم على إعادة الإعمار. 

واستضافة فنانين لبنانيين في سوريا، هي جزء من ملحقات إعادة الإعمار بالنسبة إلى النظام السوري. يجد النظام في هؤلاء فرصة لبيع الفرح، وتعميم افتعاله في شوارع عاصمته، لجذب السياح أولاً، وهم في معظمهم لبنانيون، وثانياً للتأكيد بأن ذيول الحرب تم تخطيها، و"عادت دمشق الى سابق عهدها". 

ولا سبيل إلى ذلك من دون استضافة مغنين لبنانيين تتيح لهم الانقسامات السياسية حول التطبيع مع النظام السوري، حرية الحركة، وتلبية الدعوات الممولة من وزارة الثقافة السورية، منفذاً للتهرب من مسؤولية انسانية مترتبة على التطبيع مع نظام لجأ الى خيار الحرب ضد شعب ثار عليه، وأسفرت الحرب عن أكثر من نصف مليون قتيل. 

في الواقع، لم تعد دمشق الى عهد ما قبل العام 2011، فنياً. فالبلاد التي لم تستضف نجوم الصف الأول من لبنان، إلا نادراً، بسبب ندرة القدرة على دفع مستحقات مرتفعة، رصدت الآن ميزانيات لمغني الصف الأول. ذلك ان وظيفة حضورهم، سياسية قبل أي شيء، ولا سبيل لانتقادها في الداخل السوري في ظل ندرة نجوم الصف الأول السوريين في البلاد. فالفنانة ميادة الحناوي، تراجع نشاطها الى حد كبير خلال السنوات الماضية، وخرجت أصالة نصري من البلاد الى غير رجعة، فيما لم يبقَ سوى ناصيف زيتون من الجيل الجديد، وهو مغنٍ بأجندة عربية تتخطى الساحة السورية.

في ظل هذا الواقع، وفرت وزارة الثقافة السورية ميزانية لـ"تعميم الفرح". ميزانية ضخمة، على ما يقول السوريون المعارضون، لجذب مغنين لا تجذبهم السياسة الى دمشق. وهؤلاء، لهم موقفهم الذي يبررون به ارتيادهم مسارح النظام، متمسكين بالفصل بين السياسة والفن. وتتيح لهم النقاشات حول فصل الفن عن السياسية، هذا المنفذ. 

لكن الفصل بين الأمرين، حمّال أوجه. ثمة من يرفضه، على قاعدة المبدأ الانساني. وثمة من لا يعترف به. وثمة من يقسّمه على الساحات الملتهبة. تقسيم على قاعدة "صيف وشتاء تحت سقف واحد". وإذا كانت سنوات الأزمة الماضية جذبت فنانين تربطهم بدمشق علاقة تأييد، مثل الراحل ملحم بركات، أو معين شريف أو فارس كرم وغيرهم... فإن المرحلة المقبلة ستشهد تصاعداً في عداد المغنين اللبنانيين المتوجهين الى سوريا وكانوا على "حياد سياسي"، أو بالاحرى، ينتظرون نتائج الرياح على مسار السفينة السورية. وقد بدأت العملية بالفعل، تلبيةً لدعوات "تنشيط السياحة"، والمشاركة في المهرجانات الرسمية، الى جانب الحفلات الخاصة في الفنادق والمنتجعات. 

وليس الانقسام في مواقع التواصل الاجتماعي حول الفنانين اللبنانيين الذين يرتادون دمشق، مسألة مهمة بالنسبة إليهم. فهو لا يتخطى كونه رأياً غير مؤثر، واكتشف المغنون اللبنانيون أن هذا الرأي لا يقود الى مقاطعة لهم في لبنان، رغم أن تأثيره قد يطاول نشاطهم في الدول العربية. لكنه بطبيعة الحال، يحجّم مساحة انتشار المغنين. يجعلهم على قياس لبنان وسوريا. وطالما أن الساحة اللبنانية لم تعد تتسع لكمّ كبير من المغنين اللبنانيين، في ظل مزاحمة الاجانب وفرق الرقص العالمية المشاركة في المهرجانات اللبنانية، فإن السوق السوري فُتح على مصراعيه. وسيظل مفتوحاً طالما أن النظام يحتاج إلى غسل وجهه من بارود الحرب ودمائها، وطالما أن إعادة الإعمار تحتاج الى افتعال الحياة. 
الفن لم يعد رسالة. الفن يلتصق بمن يظنه قوياً، ومن يفتح جَيبه!
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024