مرشح رئاسي فرنسي يتخوف من "لبننة فرنسا"

حسن مراد

السبت 2021/09/25
يوم الخميس وخلال مناظرة على محطة BFMTV، لم يتردد الصحافي اليميني المتطرف والمرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية، إريك زيمور، في الاستعانة بـ"النموذج اللبناني" بغية رسم صورة قاتمة لمستقبل فرنسا. 
"إذا استمرينا على هذا المنوال، ستصبح فرنسا نسخة مكبرة عن لبنان بحلول العام 2050. عوضاً عن العيش جنبا إلى جنب، سنتحول إلى جماعات تصطدم ببعضها البعض". 


هذا الموقف تردد صداه على المستويين الإعلامي والشعبي : محطة BFMTV ضمّت المقطع المذكور في الفيديو التلخيصي للمناظرة. من جانبهم، تفاعل اللبنانيون والفرنسيون مع ما صدر عن زيمور، والعديد منهم استنكر هذا الكلام في مواقع التواصل الاجتماعي، بين مَن وصفه بالتبسيطي ومَن رأى أن مشروع زيمور هو من سيوصل فرنسا إلى نقطة الصدام هذه. فيما أبدى أحدهم خشيته من ذهاب فرنسا إلى ما هو أبعد من النموذج اللبناني، من خلال تفعيل نظام الفصل العنصري. ولم تخلُ الردود كذلك من الشتائم والتهكم.

آخرون أيدوا كلام الصحافي الفرنسي، بل انحاز آخرون إلى صف المزايدين عليه، فالبلاد دخلت بالفعل هذه المرحلة، وفقاً لما ورد في عدد من التغريدات.  


ما صدر عن أريك زيمور، يشير إلى المكانة المتقدمة التي يحتلها الحدث اللبناني في الداخل الفرنسي. فلو لم يكن الحدث اللبناني، بأزماته المتلاحقة، محط اهتمام ومتابعة شعبية واعلامية فرنسية، لما اتخذه زيمور مثالاً لتسويق طروحاته عبر غرس القلق في نفوس الفرنسيين حيال مستقبلهم. من الواضح أن الانهيار الذي بلغه لبنان بات مضرب مثل، وتحول تقديم "بلد الأرز" كنموذج للعيش المشترك، إلى مادة مستهلكة ومثاراً للتندر في أوساط الفرنسيين. 

هذا على مستوى الشكل، أما إذا تمعنّا بالمضمون، فيتضح أنها ليست المرة الأولى التي يأتي فيها زيمور على ذكر العام 2050، إذ لا ينفك يكرر أن المسلمين سيشكلون نصف سكان فرنسا بحلول هذا العام، لتتحول البلاد إلى دولة إسلامية بحلول العام 2100 وفقاً له. 

تصريحات  يخيم عليها رهاب الإسلام، بدليل أن البيانات الديموغرافية تشير إلى واقع مغاير: نسبة المسلمين من إجمالي سكان فرنسا لن تزيد عن 18% بحلول العام 2050.

إصرار زيمور على ممارسة هذا التضليل ينم عن تشبعه بكراهية ضد المسلمين، فهو من أبرز المسوقين لنظرية "الاستبدال الكبير" التي ابتدعها رينو كامو. وعليه، ليس مستغرباً إجماع جميع المصادر، في معرض تعريفها بزيمور، على كونه شخصية مثيرة للجدل: ففي حال انتخابه رئيساً للبلاد، سيعيد العمل بقانون العام 1803 الذي يحدد أسماء العلم المسموح استخدامها داخل فرنسا. هي خطوة تستهدف المسلمين على نحو خاص وهو ما لا يخفيه زيمور بتأكيده على وجوب حظر اسم "محمد". في إطلالة تلفزيونية أخرى، ساند "حق أرباب العمل" في رفض توظيف أشخاص من أصول عربية أو افريقية، ولم يتردد حتى في البوح أن العرب والأفارقة  يشكلون السواد الأعظم من شبكات تهريب وترويج الممنوعات في معرض تبريره لأي إجراء تتخذه عناصر الشرطة بحقهم.

صحيح أن نجم زيمور سطع على هذا النحو لتطرفه وعنصريته واسلاموفوبيته، لكن هذه المواقف لم تطمس ذكوريته وكراهيته للنساء أيضاً. ففي كتابه المعنون Le Premier Sexe (الجنس الأول) انتقد زيمور بشدة "انحسار الرجولة" في المجتمع ودخول النساء إلى شتى المجالات، مندداً بتضعضع النظام الأبوي. كما اعتبر في مناسبة أخرى أن تعاطي النساء بالشأن العام أفرغ السياسة من مضمونها وسلطتها، وما زاد الطين بلة انحياز معظم الساسة الذكور إلى صف الجنس اللطيف، وفقاً له. مواقف كلفته العديد من الملاحقات والأحكام القضائية. 

لكن احتلال زيمور حيزاً واسعاً من الخطاب السياسي الفرنسي لا يعود فقط لما يطلقه من مواقف استفزازية، بل للمساحة الإعلامية التي خصصت له، أقله خلال السنوات الـ15 المنصرمة. 

عقب نشر كتابه Le Premier Sexe العام 2006 اهتمت وسائل الاعلام الفرنسية، خاصة المرئية منها، باستضافة زيمور. وهنا اتضح اتقانه لقواعد اللعبة الاعلامية ليثير شهية المحطات التلفزيونية التي تسابقت لاستضافته في برامج وفقرات تتوخى إثارة الجدل المتبادل بين الضيوف. 

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل فتح له الاعلام المرئي والمسموع، الهواء، إما لتقديم فقرات يومية أو كضيف دائم، آخرها كان في محطة CNEWS. إطلالات ساهمت في التسويق الاعلامي لما يتبناه من مواقف، لا سيما نظرية الاستبدال الكبير، متفوقاً بذلك على رينو كامو. 

في حديث إلى قناة "الجزيرة"، ضمن برنامج "خارج النص"، اعتبر مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في باريس، سلام الكواكبي، أن "كامو لا يبيع بالمعنى المشهدي، إذ يتحدث ببطء مستخدماً تعابير صعبة، فيما زيمور أكثر تمكناً من اللغة الاعلامية". كلام يتقاطع مع ما لاحظته إدارة CNEWS لناحية الترابط بين ارتفاع نسبة مشاهديها وظهور زيمور على الشاشة. تضاف إلى ذلك زاويته الأسبوعية في صحيفة Le Figaro. مسيرة مهنية لم تكن دوماً مكللة بالورود، بل وصل الأمر في بعض الحالات إلى تسريحه من العمل على خلفية ما كان يدلي به. 

اليوم، يرى زيمور في انتخابات العام 2022 محطة لخوض تجربة جديدة. صحيح أنه لم يعلن بعد رسمياً ترشحه للسباق الرئاسي، لكن المؤشرات ترجح ذلك، حتى بات الرجل حديث الساعة. صحيفة Le Monde شبهت زيمور بدونالد ترامب بعدما حل الأخير ضيفاً أسبوعياً على شاشة Fox News، طوال السنوات الأربع التي سبقت دخوله البيت الأبيض. 

عبر صفحات Le Figaro اعتبر شارل سابان أن تموضع حزبَي "الجمهوريين" (يمين تقليدي) و"الجبهة الوطنية" (يمين متطرف)، ترك فراغاً قد يسعى اريك زيمور إلى ملئه ببرنامج انتخابي قوامه التشبث بهوية فرنسا وتحصينها من الأعداء. 

وإذا كانت آخر استطلاعات الرأي تمنحه 10% من إجمالي أصوات الناخبين، لكن تبقى بانتظاره عقبات قد تلجم طموحه الرئاسي لتصل إلى حد إطاحته. بداية، يفتقر زيمور، حتى الساعة، إلى ماكينة انتخابية نشطة وأفراد ذوي كفاءة ومؤهلين لإدارة حملة انتخابية بهذا الحجم، حتى أن مصادر صحافية شككت في قدرة المحيطين بزيمور على جمع التوكيلات اللازمة لقبول ترشحه والتي يبلغ عددها 500. 

ويشكل التمويل حاجزاً آخر قد يصطدم به زيمور، بعدما أبدى العديد من كبار رجال الأعمال حذرهم منه. فالصحافي الذي اشتهر بمواقفه المثيرة للجدل، يفتقد إلى برنامج متكامل. صحيح أن ما أطلقه من مواقف اقتصادية ليس استفزازياً، وحمل بعضها مزايدة ليبرالية على الرئيس ماكرون، لكن وصول شخصية مثله إلى سدة الحكم سيخلق حالة من انعدام الاستقرار السياسي، واقع تنفر منه بيئة الأعمال. يضاف إلى ذلك تشبثه بهوية فرنسا، ما قد ينعكس سلباً في علاقات باريس مع الاتحاد الأوروبي.

أحد رجال الأعمال المساهمين في CNEWS لا يخفي إعجابه بهذا الصحافي الذي ساهم بزيادة نسبة المشاهدات، لكن أن يصل إلى حد خوضه معركة الرئاسة، فذاك شأن آخر، على حد تعبيره. حتى الساعة، ممولو زيمور ليسوا إلا رجال أعمال لشركات متوسطة الحجم. 

في النهاية، لا يجوز استبعاد أن يعدل زيمور بنفسه عن قرار الترشح. قد تكون غايته الرئيسية فرض خطابه في السباق الانتخابي أكثر من ولوج قصر الاليزيه، إدراكاً منه لمحدودية إمكاناته، كما أن جنوحه نحو السياسة سيقيده لناحية حرية التعبير، ما يبعده عن دائرة الضوء الإعلامية التي يعشق. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024