إسرائيل تتفحّص الأزمة اللبنانية: كيف تُحاصِر حزب الله؟

أدهم مناصرة

الأربعاء 2020/07/22
لا تخلو صفحات إسرائيل الرسمية في "فايسبوك" وصحافتها من البُعد الانتهازي في استغلال أوجاع اللبنانيين لتصفية الحسابات الإقليمية، حينما تتحدث عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المعقدة في لبنان.
ورصدت "المدن" كثافة في المنشورات الإسرائيلية في مواقع التواصل الإجتماعي، مروراً بالمعالجات الصحافية العبرية في الآونة الأخيرة التي تعمل على الربط بين الأوضاع المؤلمة للبنانيين وبين نشاط "حزب الله" في الداخل والخارج، وبما ينسجم مع ما قاله الباحث في "الأمن القومي" الإسرائيلي، عنان وهبة، لمحطة التلفزة الإسرائيلية عن قرار اقليمي-دولي بضرورة استثمار "كورونا" والأوضاع الاقتصادية المعقدة في إيران من أجل الحسم بوقف مشروع إيران النووي وتشديد الضغوط على حزب الله.

عزز الإستغلال الإسرائيلي لفقر اللبنانيين، ذلك الرسم الكاريكاتوري في صفحة "إسرائيل بالعربية" الفايسبوكية وقد علقت عليه بسؤال: "كيف أصبح حال الشعب اللبناني وتحول بلده من سويسرا الشرق إلى مستعمرة إيرانية؟!". وفي منشور آخر، تكتب الصفحة التي تتبع الخارجية الإسرائيلية عن "إنجازات حزب الله" مرفقة بصورة حسن نصر الله وراية الحزب، ثم عددتها، قائلة: "الدمار والخراب، دولة داخل دولة، تمزيق النسيج الإجتماعي، لبنان للإيرانيين".

ويتناغم المنشوران السابقان مع منشور ثالث سبقهما وقد تمثّل بصورة للعربي الذي كلما سُئل عن كيفية مواجهته للجوع والفقر أجاب: "الموت لإسرائيل.. لازم نحرر فلسطين". وبيت القصيد الإسرائيلي من هذا المنشور ينسجم مع دعاية الإحتلال المروّجة هذه الأيام، ألا وهي "كل إرادة لا تتغلب على العاطفة تنهار وتفشل. آن الأوان لتغليب المنطق". 

الواقع، أن إسرائيل تحاول أن تتذاكى وتتناسى أن اللبناني والعربي المنتفض ضد المنظومة السياسية التي تسببت بتجويعه، هو عملياً يحتج ضد الطبقة الحاكمة والجهات الخارجية معاً باعتبارها دفّعت الشعب اللبناني ثمن الصراعات.. 

وتراقب الدولة العبرية عن كثب التطورات الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة، لدرجة سرد تفاصيل الأضرار التي وصل اليها هذا البلد بالأرقام- كما لمسنا في مقال للباحثين في معهد دراسات "الأمن القومي" أورنا مزراحي و يورام شفايتسر- إذ يشيران إلى أن قادة الدولة اللبنانية يواجهون صعوبة في تقديم حلول إنقاذية وأن الاقتصاد اللبناني ينهار.

واستعرض الباحثان الإسرائيليان مآلات الأوضاع الخطيرة في لبنان، حيث أوضحا أن الليرة اللبنانية خسرت حتى منتصف حزيران/يونيو نحو 80% من قيمتها (سعر الصرف الرسمي للدولار هو 1507 ليرات، بينما يباع في السوق السوداء بـ7000 وحتى 9000 ليرة). 
كما ازداد انقطاع الكهرباء، وتجاوزت نسبة العاطلين عن العمل الـ40%، ويعيش أكثر من نصف سكان لبنان تحت خط الفقر، كما جاء في المقال الإسرائيلي في مجلة "مباط عال" الإسرائيلية.

وارتباطاً بهذا السرد، ركزت الصحافة الإسرائيلية، بدرجة أكبر من الإعلام المرئي والمسموع، على الظروف المعقدة في لبنان ومدى قدرتها على تشكيل عامل ضغط داخلي على حزب الله.. فراحت هذه الصحافة إلى تسليط الضوء على ما اسمتها "الموجة الثانية" للاحتجاج الشعبي في لبنان مطلع حزيران/يونيو، وكيف أن المتظاهرين تجاهلوا القيود المفروضة للجم وباء كورونا. 

ووصفت أقلامٌ إسرائيلية هذه التظاهرات بأنها حملت طابعاً عنفياً أكثر مما في الموجة السابقة، وأن الجزء الأساسي من الغضب وُجّه نحو المصارف والمحلات الكبرى التي حُطمت وأُحرقت من خلال استخدام العصي والحجارة والزجاجات الحارقة. سمة أُخرى بارزة في موجة الاحتجاج المستجدة- بحسب "الأمن القومي الإسرائيلي" هي توجيه أصبع الاتهام مباشرة إلى حزب الله، لا سيما يوم 6 حزيران الماضي، حينما سُمعت هتافات واضحة ضد الحزب.

ولهذا، تعتقد إسرائيل أن ما سبق عبارة عن ضغوط داخلية تضاف إلى أخرى خارجية، ما يشدد الخناق على حزب الله وشركائه في "المحور الشيعي"، حسب قولها. ورأت الصحافة العبرية أن مؤشرات الضائقة التي يواجهها حزب الله، ظهرت جليّة في ما وصفته "الخطاب الاعتذاري" الذي ألقاه نصر الله في 16 حزيران/يونيو، وحاولت تكذيب ما يقال عن أن الحزب لا يهرّب دولارات وبضائع إلى سوريا، وقالت إن الحزب لن يتنازل عن سلاحه.

وتنشغل التحليلات الصحافية العبرية بقراءة مآلات التهديدات المتزايدة لحزب الله من الداخل والخارج بصفتها تُفاقم المعضلات التي يواجهها بشأن كيفية مواصلة طريقه.. وتتساءل: "كيف يواصل الاستمرار في سياسته الحالية التي تركز على المحافظة على أرصدته السياسية والعسكرية في لبنان وسوريا من وراء الكواليس، أو انتهاج خطوات يمكن أن تخلق منعطفاً وتغيّر الظروف الضاغطة لمصلحته".

وفي هذا السياق، يتنبأ معهد دراسات "الأمن القومي"، أنه يمكن أن نرى اتجاهين محتملين للعمل، رغم اعتقاد حزب الله أنه لم يصل بعد إلى النقطة التي يتعين عليه أن ينجر فيها إلى خطوات متشددة من هذا النوع، وهو في هذه المرحلة يفضل الامتناع عن القيام بها.. الأول، اتخاذ قرار باستخدام القوة العسكرية لمنع تعرض هيمنته على لبنان لخطر محسوس أو للمحافظة على قوته المسلحة، أو لضمان تأثيره في المنظومة السياسية والاقتصادية في لبنان. 

وأما الإتجاه الثاني، فيتعلق بمواجهة إسرائيل، بحيث قد يضطر الحزب، نتيجة الضغوط، إلى تحويل الانتباه من الوضع الداخلي إلى الصراع مع إسرائيل من خلال عملية عسكرية يبادر إليها ويمكن أن تؤدي إلى مواجهة معها.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024