الأمن يراهن على البراغماتية:تقديرات اسرائيلية بفشل المفاوضات مع لبنان

أدهم مناصرة

الأربعاء 2020/10/14
بالنسبة إلى إسرائيل، مجرد انطلاق المفاوضات "غير المُباشرة" لترسيم الحدود البحرية مع لبنان الأربعاء، برعاية أميركية في مركز اليونيفيل في الناقورة، هو "نقطة إيجابية".
لكنّ الدولة العبرية شرعت من الآن بتسويق خطاب يطرحها كمُيسّر وراغب في الحل، والطرف اللبناني كمعسّر ومعيق له إذا لم يُغيّر حزب الله موقفه إزاء ما سيدور في المفاوضات.. فها هي تلقي مسؤولية نجاح المفاوضات أو فشلها في ملعب حزب الله، حتى قبل ساعة الصفر لانطلاقها، مدعية أن "الامتحان الحقيقي فيها هو كيف سيكون موقف الحزب المتحكّم في الدولة اللبنانية، من مجريات العملية التفاوضية".

وذهب محللون في نشرات الأخبار بالإذاعة الإسرائيلية الرسمية "مكان"، إلى التحذير من التفاؤل الكبير حيال المفاوضات التي ستكون "شاقّة"، متوقعين أن تفشل سريعاً، في ظل الفجوة الكبيرة بين الطرفين، وإصرار كل منهما على موقفه. لكن الإذاعة ذاتها عادت ونقلت عن جهات أمنية إسرائيلية قبل ساعات من بدء المفاوضات، قولها إنها "متفائلة حيال المفاوضات، وأنّ من شأن الأزمة الاقتصادية في لبنان تسهيل التوصل الى اتفاق".
وفي إطار الاستغلال الإسرائيلي للنقاش الداخلي في لبنان عشية المفاوضات الموعودة، سلّط راديو "مكان" الضوء على تصريح أطلقه البطريرك الماروني بشارة الراعي، حيث اقتنصت جملته القائلة: "إن لبنان بحاجة إلى دولة قوية وحكومة قادرة على إجراء مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل".

وأعادت قراءات إسرائيلية، سرد نقاط الخلاف الأساسية بين لبنان وإسرائيل في ما يخص مساحة المياه الإقتصادية وقدرها 860 كيلومتراً مربعاً، مشيرة الى ان احد أسباب الخلاف يكمن في مسألة القياس والطريقة؛ حيث أن هناك أكثر من طريقة دولية للاحتساب، وأن الطريقة التي تعتمدها إسرائيل في القياس مبنية على الخط المباشر.. أما لبنان فيتبع طريقة القياس بناء على زاوية تسعين.. مع العلم أنه في السابق كان هناك خلاف حدودي بحري بين إسرائيل ومصر في مياه البحر الأحمر، لكن تم حله في النهاية.

وذهبت أقلام إسرائيلية إلى استحضار تجربة المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية قبل سنتين او ثلاث؛ حيث تدعي إسرائيل أنها قدمت تنازلاً وقتها، يتمثل في أن تكون حصتها من المياه الإقتصادية محلّ الخلاف ما مقداره 42%، ولبنان 58%، على اعتبار أن هذه المساحة البحرية غنية بالغاز والكل رابح بهذه الحسبة.

وتطرح إسرائيل نفسها وكأنها "قدمت عرضاً سخياً للبنان إلا أن الأخير يرفض".. وتخاطب تل أبيب الدولة اللبنانية قائلة: "انتم اكثر حاجة للمليارات، فلا حجة لديكم لترفضوا.. إذا أصرّ الوفد اللبناني على المطالبة بكل المنطقة، ستنفجر المفاوضات، والوضع سيكون صعباً جداً عليكم".

لكن دولة الاحتلال تُعوّل على أربعة عوامل من شأنها أن تلقي بظلالها على أجواء المفاوضات ومسارها؛ أبرزها الضغط الأميركي، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة التي وصل إليها لبنان، فضلاً عن انفجار مرفأ بيروت وتداعياته، مروراً بـ"الضغوط الداخلية والخارجية على حزب الله".. وهنا يتجلى الابتزاز الإسرائيلي ومفاده: "أمام عرضنا السخي، لبنان في أزمة وبحاجة ماسة لتمرير الاتفاق".

ورغم أن لبنان يشدد على أن مفاوضات ترسيم الحدود تقنية، لا سياسية، إلا أن المحلل السياسي الإسرائيلي تسفي برئيل، يشير إلى شكوك في لبنان، خصوصاً في أوساط حزب الله، مفادها أن إسرائيل والولايات المتحدة تنصبان فخاً سياسياً للبنان. وبالتالي، فإن الهدف هو تحويل النقاشات غير المباشرة إلى مفاوضات سياسية. وقد تعاظم هذا الشك بأثر من تركيبة الوفد الإسرائيلي، إذ قالت صحيفة "هآرتس" أنه سيشارك عن إسرائيل أيضاً رؤوفين عزرا، المستشار السياسي لرئيس الحكومة، وآلون بار رئيس الجهاز السياسي في وزارة الخارجية الإسرائيلية، إلى جانب اودي اديري مدير عام وزارة الطاقة الاسرائيلية، واوريون ساتار مسؤول "الملف الاستراتيجي" في الجيش الاسرائيلي.
لكنّ وسائل إعلام إسرائيلية أخرى كانت حذرة في تحديد هوية الوفد الإسرائيلي، فمثلاً اكتفى بعضها بالإشارة إلى أن "ضابطاً كبيراً من الجيش سيشارك في الوفد" وأن الوفد يقتصر على تقنيين ومهنيين، لكن بإشراف مكتب نتنياهو ووزارة الخارجية.

وتتساءل صحيفة "هآرتس": هل سيطلب الوفد اللبناني من الأميركيين أن تحصر إسرائيل فريقها التفاوضي على خبراء وفنيين لا سياسيين؟!".. ثم تجيب "الأيام المقبلة ستوضح ذلك".
لكنّ الباحث الإسرائيلي مردخاي كيدار، زعم في حديث إذاعي أن "السياسة موجودة وراء الكواليس في مفاوضات الترسيم، فالجيش والخبراء يقومون بمهمة سياسية أيضاً.. والجميع يعلم لماذا تذهب الفتاة إلى الزفّة!".

والحال، إن غايات المفاوضات ليست بمنأى عن الاستراتيجية الأميركية-الإسرائيلية في المنطقة، والقائمة على تخيير الدول العربية بين التطبيع والهدنة.. ولهذا تسعى إسرائيل من الاتفاق إلى الوصول إلى هدنة؛ وذلك من منطلق ان لبنان لن يستطيع استخراج الغاز في ظل قاعدة الاشتباك.. ثم، يطرح إعلام اسرائيل سؤال المؤسسة الرسمية "هل ستكون للحكومة اللبنانية سلطة على حزب الله؟".

في المحصلة، تقول صحيفة "هآرتس" إنه عند الضرورة، حزب الله هو شريك، فهذه ليست مفاوضات بين شركات خاصة، بل بين إسرائيل والحكومة اللبنانية التي يشارك فيها حزب الله.. مضيفة: "إذا كانت إسرائيل مستعدة لإجراء مفاوضات مع الدولة اللبنانية وتوقيع اتفاق مدني معها، سيُطلب من ممثلي حزب الله الموافقة عليه، لماذا على الولايات المتحدة أن تكون مَلَكية أكثر من الملك؟".

ورغم أن تعبيرات المسؤولين الإسرائيليين تقتصر على ذِكر ترسيم الحدود البحرية فقط، الا أنهم في إسرائيل يقولون ان مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر الذي يدير المفاوضات، يطمح الى حل يشمل الحدود البرية أيضاً. لكن الدوائر الإستراتيجية الإسرائيلية تسرد أسباباً "موضوعية" تمنع لبنان واسرائيل من الاتفاق بشأن الحدود البرية، مشيرة الى 9 نقاط بشأنها بحاجة إلى حل، بينما تزعم إسرائيل ان "حزب الله غير معني بحل الموضوع البري، لأنه لا يريد حلاً ينهي حالة الاشتباك والصراع مع إسرائيل".
ويعتقد باحثون في معهد "الأمن القومي" الإسرائيلي انه "نظراً لوجود فراغ سياسي واضح في لبنان، هناك مرجعيات دولية وإقليمية تريد أن تؤثر في مستقبل لبنان، وبالتالي فإن المرجعية السياسية من وراء الجيش اللبناني، مزدوجة: لبنان وحزب الله؛ الأمر الذي يبطئ المفاوضات وقد يُثقل كاهل طاقم المفاوضات اللبناني". ويذهب "الأمن القومي" الى عقد آمال بأن هذه التداعيات قد تؤدي إلى "نهج براغماتي، وفيه اعتراف لبناني عملي بإسرائيل (إذْ لم تسمَّ اسرائيل بالكيان الصهيوني أو الإحتلال خلال المحادثات)".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024