إشكالة أخلاقية سورية جديدة: كيف تُتداول صُور قيصر؟

المدن - ميديا

الإثنين 2020/06/22
خلقت صور المعتقلين السوريين التي سربها المصور السوري المعروف باسم قيصر، إشكالية أخلاقية سورية من نوع جديد، مع انقسام المعلقين في مواقع التواصل، بين المطالبين باحترام خصوصية ومشاعر أهالي الضحايا وحرمة الجسد المعذب، وبين المطالبين بنشر الصور على نطاق واسع تحقيقاً للعدالة بقرائن يؤخذ بها في المحاكم الدولية، وسعياً وراء كسب قضية خرجت من إطارها الشخصي وباتت قضية عامة.


والصور التي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام السورية المعارضة، الأحد، ليست جديدة في مجملها، بل نُشر قسم منها منذ العام 2014. إلا أن التفاعل مع الدفعة الجديدة منها أتى واسعاً بعد المنشورات المؤثرة لعائلات الضحايا الذين كتبوا في مواقع التواصل عن صدمتهم بالتعرف على أحبابهم فجأة في الصور التي لا تظهر فقط موتهم بل أيضاً تعذيبهم بطريقة وحشية.

ولا يقتصر الكلام هنا على الصور التي انتشرت في مواقع لجمعيات حقوقية سورية مثل "الجمعية السورية للمفقودين و معتقلي الرأي"، يمكن فيها البحث عن الصور ضمن الموقع نفسه، بل أيضاً في وسائل الإعلام، بعدما انتشرت قصة لعائلة اكتشفت بالصدفة وفاة أحد أفرادها خلال متابعتها تقريراً تلفزيونياً يتحدث عن قانون قيصر.

ويحمل الرأيان السابقان وجهتي نظر محقتين نوعاً ما. فلا يمكن من جهة سوى الشعور بالتعاطف مع ما يشعر به أهالي الضحايا من جهة، لكن لا يمكن إنكار أهمية صور قيصر في كشف حقيقة النظام السوري بالوثائق والقرائن القانونية، في مقابل مَن مازال ينكر إجرامه، خصوصاً أن النظام نفسه ينفي وجود التعذيب من أصله في المعتقلات مثلما تحدث رئيسه بشار الأسد مراراً وتكراراً في حوارات مع وسائل إعلام عالمية، بالإضافة إلى وسمه صور قيصر بأنها مزورة ولا تعدو مجرد تلاعب بالفوتوشوب أو خطأ فردياً في أحسن الحالات.



في ضوء ذلك، أصدرت "مجموعة ملفات قيصر" بياناً موجهاً إلى أهالي الضحايا قالت فيه: "ليس لنا أي علاقة بنشر وتداول الصور من حسابات أخرى على المواقع الإلكترونية والصحف"، كما حمّلت كل من ينشر تلك الصور دون الرجوع إليها "كامل المسؤولية القانونية".

وأوضح البيان أن مجموعة قيصر "تعمل على التواصل مع الأهالي بشكل مباشر من دون النشر في العلن احتراماً لخصوصية الضحايا وذويهم ولمشاعرهم"، مؤكّدة أنّه يمكن لأي كان من ذوي المعتقلين التواصل معهم عبر الموقع الإلكتروني الرسمي للمجموعة.

من جهته، عبّر مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" فضل عبد الغني، عبر صفحته الشخصية في "فايسبوك" عن رفضه لنشر الصور عبر صفحات التواصل الاجتماعي بشكل عشوائي من دون إذن الأهالي. وأكمل: "نشر بعض الصور يكون بطريقة مدروسة، لإيصال فكرة أو رسالة معينة ويكفي، وتكون صوراً لأجسام بعيدة وليست صوراً لوجوه قريبة وصادمة، والأهم التواصل مع الأهل وأخذ موافقتهم".



وانتشرت قصص كثيرة مؤثرة، بما في ذلك الحديث عن موت رجل سوري في شمال سوريا أثناء بحثه عن صورة ابنه المفقود بين صور قيصر، ورغم أنه لم يجد ابنه إلا أن ما رآه من تعذيب ووحشية مُمارسَين من قبل النظام على المعتقلين، كان كفيلاً بإصابته بذبحة قلبية أودت بحياته.

وتجدد الحديث عن صور القتلى في أقبية نظام الأسد بمناسبة بدء سريان قانون "قيصر"، الأربعاء الماضي، بعدما أقره الكونغرس الأميركي. ويفرض القانون عقوبات على النظام السوري بسبب جرائم في حق السوريين. وقد اعتمدت لجنة التحقيق الدولية، المكلفة بالبحث في جرائم الحرب في سوريا، على عشرات آلاف الصور للمعتقلين والقتلى داخل معتقلات نظام الأسد والتي سربها "قيصر" لإثبات وقوع فظاعات على يد النظام.



وأكدت مسؤولة قسم المعتقلين والمختفين قسراً في "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، نور الخطيب، في تصريحات لوسائل إعلام سورية معارضة أن عدد الصور التي سربها قيصر هو 28707، وتخص ما لا يقل عن 6786 جثة لمعتقلين قضوا تحت التعذيب في سجون النظام. وأكملت: "من الضروري التنويه بأن قيصر، ورغم أنه يمتلك 55 ألف صورة تم تسريبها، لكنها ليست كلها للمعتقلين، بل العدد المحدد لصور الضحايا هو 28707 صورة تعود لـ6786 جثة، ولكل معتقل هناك 4 أو 5 صور، والبقية هي لعناصر في الجيش والأمن ومن كان في مسرح الجريمة".

وتمكنت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" من تحديد هوية ما لا يقل عن 801 حالة ظهرت في صور قيصر، بينهم طفلان و10 سيدات، بعد حصولها على قرابة 6189 صورة من صور قيصر المسربة، بين آذار/مارس 2015 وأيلول/سبتمبر 2019، علماً أن الصور الحالية توثق حالات لسوريين اعتقلوا بين أيار/مايو 2011 وآب/أغسطس 2013، وكل من تم اعتقاله بعد ذلك فهو غير موجود بين الصور.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024