المَلِكان عمرو دياب ومحمد صلاح

وجدي الكومي

السبت 2019/05/11
احتلت الإعلانات المساحة الأكبر من المعروض تليفزيونياً، فأصبحت الدراما هي الشيء النادر..وسط الإعلانات المتلاحقة، وهو ما جعلها أجدى بالنقد، من أعمال درامية لا نشاهد منها إلا ثوان، سرعان ما تبتر لصالح الإعلان المقبل.

مع اليوم الأول لرمضان، استحوذ إعلان عمرو دياب، الذي انتجته شركة "فودافون المصرية" على اهتمام ومتابعة المصريين. فالنجم الذي عرفه المصريون منذ الثمانينيات، وتواصل نجاحه، واهتمامه بصورة ذهنية ما في عقول محبيه ومتابعيه، ينفتح للمرة الأولى على المصريين، ويُعرفهم بأصدقاء طفولته، ورفاق مشواره الفني، وكذلك حبيبته الحالية دينا الشربيني.

بدا غريباً أن النجم، الذي اشتهر بلقب "الهضبة"، إمعاناً في عملقته، يفتح للمصريين للمرة الأولى باباً على أسراره الشخصية، لكنه باب منقوص، خلا من زيجته الأولى، شيرين رضا، أُمّ ابنة عمرو دياب، والسيدة التي ارتبط بها في بداياته وانفصل عنها منذ عشرين عاماً.

وكأنه لليس للذاكرة جذور ضاربة تحت الأرض، لا يمكن اقتلاعها، يمكنك فقط أن تردم عليها المزيد والمزيد من الركام، أو تضيف طبقات جديدة. لكن عمرو دياب بدا انتقائياً كأنه ينشئ فيديو في  صفحته في "فايسبوك".


ورغم أن الإعلان عنوانه "جمع حبايبك"، اشتغالاً على الثيمة الرمضانية نفسها التي تتبعها شركات الاتصالات والمياه الغازية المشهورة مثل "بيبسي "و"كوكا كولا" في مصر. إلا أن استبعاد دياب لزوجته الأولى من لقطات النوستالجيا، وكذلك استبعاده لباقي أطراف زيجاته الأخرى، جزء من ذكاء عمرو دياب الفني والاجتماعي، كما تصفه فيروز كراوية في مقالها عنه المعنون "ليس مقالاً عن عمرو دياب"، فنجم البوب عُرف عنه الذكاء الفني الذي خوّله اتخاذ عدد من القرارات المبكرة التي ساهمت في تكوين مشروعه، ومنها حسبما تقول كراوية في مقالها، قراره الإطاحة بالكلمة الغنائية التي يهيمن عليها جيل شعراء العامية مثل عبد الرحيم منصور ومجدي نجيب والأبنودي.

يبدو أن عمرو دياب لم يطح فقط الكلمة الغنائية، لكنه أطاح كثيرين من ذاكرته التي رغب أن يُصدرها للجمهور. فبينما ظهر في إعلانه صديق طفولته رضا أبو الحسن، وبعض أقاربه وأبرزهم أيمن دياب وسيد دياب، والعازفان في فرقته عاصم سري وسعيد سري، وعماد سري وعزمي الكيلاني اللذان غنيا معه في الثمانينات، لم يظهر معه كثيرون من رفاق دربه ومشواره، وعلى رأسهم مثلا هاني شنودة وحميد الشاعري.


وبعد أيام من بث الإعلان، اجتهدت الصحافة المصرية واكتشفت إن إعلان الهضبة، ما هو إلا تنويعة على إعلان للمطرب إلتون جون، نفذه الأخير للمحلات البريطانية جون لويس العام الماضي.

"نامبر وان".. أفضل إعلان قدمه فعلاً
صالَح إعلان محمد رمضان، الرجل على محبيه، فقد كان في الفترة الأخيرة قد اكتفى من جمهوره بمجموعة من الشباب صغار السن الذين يقلدونه في قَصّة الشعر والملابس الضيقة والقمصان مفتوحة الصدر. نموذج جديد وملهم للشباب والمراهقين، والراغبين في المغامرة، نموذج "نامبر وان"، أي الشاب المغرور المتعالي على أصدقائه وأهله. لكن، في هذا الإعلان الذي يظهر فيه فان دام بطل السينما الأميركية، الذي عاش في قلوب وعقول الجيل الذي يقترب عمر أبنائه الآن من الأربعين، لفت انتباه جموع غفيرة إلى محمد رمضان، وإلى الإعلان في حد ذاته. وربما نسي الجميع أنه إعلان، واكتفينا بالتعامل معه على أنه فقرة ترفيهية محببة. فمشاهد الأكشن، على قلة خطورتها، إلا أنها أعادت للمشاهد المصري الفكرة المحببة عنده دائماً، وهي متابعة أحداث مثيرة.


لم يظهر محمد رمضان وحده في هذا الإعلان بطلاً منفرداً، كما ظهر في إعلانات شركة "إتصالات" الأخيرة، التي باتت تُعرف بـ"نامبر وان"، حتى اختلط علينا الأمر، فلم نعد نعرف من هو المقصود بالضبط بـ"نامبر وان"، هل هو "كارت إتصالات" أم محمد رمضان نفسه.

وربما انفراد رمضان بالبطولة في الإعلانات، وكذلك في المسلسلات، كان سبباً للنكتة التي راجت حوله مؤخراً: البطل الوحيد الذي حينما يُولد له ابن في الدراما، يكون هو نفسه ويؤدي الدورين معاً، الأب والابن، كما في مسلسل "نسر الصعيد" الذي قدمه في رمضان الماضي، وأدى فيه دوري الأب والابن "صالح القناوي وزين القناوي".

لم يسرق فان دام، الوهج من رمضان كما يُخيل للبعض، أو كما يظن بعض قراء هذه السطور، بل بالعكس، أعطى ثقلاً للإعلان، ومبرراً للمشاهدة، بل ومبرراً للإعجاب به.

مجدي يعقوب.. ملك القلوب
تطلق مؤسسة مجدي يعقوب، وهو جرّاح القلب المصري الشهير، إعلاناً كل رمضان، لتنشيط وجذب التبرعات للمؤسسة، مثلها مثل باقي المؤسسات. إلا أنها كانت ترتكب في السنوات السابقة خطأ مماثلاً لأخطاء تلك المؤسسات، ألا وهي أنها كانت تُغلب الجانب التراجيدي على الإعلان، ممارسةً ابتزازاً عاطفياً كريهاً.

لكن، لحسن الحظ، اكتشف القائمون على المؤسسة أن الأفضل أن يترك الإعلان أثراً طيباً في نفوس مشاهديه، بدلاً من تعقيدهم نفسياً أو إيلام ضمائرهم. فباتت إعلانات بلمسة إنسانية ودرامية، أفضل كثيراً من المشاهد التراجيدية المؤلمة التي تبتز المشاهدين عاطفياً، وتلعب لعبة إيقاظ الضمائر.


إعلان هذا العام اعتمد على جملة من المشاهد المتلاحقة، للمصريين في مواضع مختلفة: زوجان يتوجهان لاستقبال وليد، يقولان لبعضهما: قلبي بيقول لي أنه ولد، وجدّة تهتف بحماس عند استقبال حفيدها: يا روح قلبي من جوا.. وأمّ على الهاتف: مبتردش ليه..وقعت قلبي، وأمّ ثالثة تقول لابنتها: قلب الأم يا بنتي، وخطيب يصالح خطيبته: مكنوش كلمتين من ورا قلبي..

وهكذا، جمع الإعلان كافة المشاهد الحياتية التي نردد فيها بعفوية كلمة "قلبي" "روح قلبي" "وقعت قلبي" و"هتفضل في قلبي" و"قلبي عندك" و"حاجة تقطع القلب" و"جمد قلبك" حتى ظهور عمر الشريف المباغت في أحد مشاهد الإعلان، وهو يقول لمجدي يعقوب نفسه: دخلت في قلبي كصديق، ومسكته بإيديك، وكذلك أغنية ليلى مراد الشهيرة: أنا قلبي دليلي قاللي هتحبي...

لم يقل الإعلان للمصريين: تبرعوا. لم يتوسل إعانة، ومع ذلك وصلت رسالته، ودق في قلوبنا إعلان عنوانه "هنكمل بقلب"، ما يدفعك دفعاً إلى أن تنهض عن أريكتك، وتذهب كي تتبرع بكل ما تملك لمؤسسة مجدي يعقوب، إعلان عن القلب، يدخل القلب مباشرة.

إعلانات البنوك..محمد صلاح.. وفاصل للصوص
الإعلان الذي اتسم بقدر كبير وعال من الفكاهة، كان إعلان البنك الأهلي المصري، الذي ظهر فيه شخصان يحاولان السطو على بنك، فيلتقيان حارساً يجلس في تؤدة وملل يلعب على هاتفه المحمول، يصرخ اللصان: كله ينزل على الأرض..محدش يتحرك من مكانه، فيرمقهما الحارس في هدوء، وبرود، قائلاً: مين دا اللي ينزل..مفيش حد هنا دا فرع إلكتروني.


يستمد الإعلان فكاهته من الحوار الذي يدور بين الحارس واللصين، أحدهما يغمغم: يعني فشل السطو؟ فين الخزن..فين الرزم؟ فيرد الحارس ببطء: مفيش خزن ورز..كله ممكن..تقدر تفتح حساب، تصرف شيك، تعمل إيداع، تحول. فيصرخ لص آخر: فين البنك اللي هنسرقه يا شربيني؟ فيهتف الحارس: بنك..مميكن.. وهو يقولها ببطء، بينما يقتحم لص ثالث، البنك، صارخاً: مفيش خزنة، فيرد الحارس: مميكن.

إعلان فكاهي، غير مكلف، لكنه ضاحك، ولفت أنظار الكثيرين من متابعي الدراما الإعلانية في رمضان، على عكس إعلان بنك مصر، الذي صمم صانعوه غنوة لطيفة، مستلهماً تراث بنك مصر الثقيل، طلعت حرب. أغنية جميلة يغنيها محمود العسيلي، بصوته الرخيم الجميل، ويغني معه مدحت صالح ومصطفى حجاج.

ظهور مدحت صالح في الإعلان، وهو يغني بعضاً من مقاطعها، أثار عند أبناء جيلى حنيناً لزمن مدحت صالح، خصوصاً أغنيته الشهيرة: "رافضك يا زماني..يا مكاني..يا آواني..أنا عاوز أعيش في كوكب تاني".

إلا أن مستخدمي السوشيال ميديا، بعد قليل، بدأوا يتهكمون على مقطع الأغنية التي يقولون فيها "أنا ابن مصر..أنا ضد الكسر"، خصوصاً أن مذيعي الإعلان قصّوا الأغنية، واكتفوا بعد يومين من رمضان بإذاعة هذا الكوبليه فقط.

أما إعلان بنك الإسكندرية، الذي استعان بمحمد صلاح، فبدا أكثر الإعلانات الرمضانية توفيقاً إلى جانب إعلان مؤسسة مجدي يعقوب، في صياغة رسالة مدهشة ومؤثرة للمشاهدين، إذ تحدث الإعلان عن الفرص التي تجيء مرة في العمر، ومدى استعدادنا لها. يحكي محمد صلاح بهدوء، ومن دون ضجيج موسيقي، عن حكاية أول فرصة أيقن فيها، وعن يقينه، بأن كل فرصة بداية لمليون فرصة، وأنه يجب أن يكون جاهزاً، ويفعل أكثر مما عليه.

إعلان بسيط وهادئ، ومع ذلك يحمل معاني قوية، تصل إلى القلوب مباشرة. إلا أن مشكلة هذا الإعلان الحقيقية، أنه لا يعبّر فعلاً عن المُعلن، بقدر ما يعبر عن حياة محمد صلاح، وطموحه، وحياته، وربما هو إعلان عن الإخلاص والكفاح في الحياة، وليس إعلان بنك.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024