الاعتداء على محمد زبيب ليس رسالة

نذير رضا

الخميس 2020/02/13
لن نعدّ الاعتداء السافر على الزميل محمد زبيب رسالة. هو ترهيب يرتقي الى مستوى الشروع في القتل. تكرار لمرحلة سوداء عرفها لبنان قبل 15 سنة باغتيال الشهيد سمير قصير، والشهيد جبران تويني، ومحاولة اغتيال الإعلامية/الوزيرة مي شدياق. 
ما تعرض له زبيب، ليس رسالة. فالرسائل يتلقاها الصحافيون بتغريدات تهدر دمهم، او بإشاعة الأكاذيب عنهم، أو بتبادل رسائل في مجموعات الواتسآب تحرّض عليهم. تلك رسائل ممهورة بأختام الترهيب، بقصد الردع والتحذير. وعادة ما تسلك القنوات القضائية، وينقسم الناس حولها تشكيكاً أو ابتهاجاً. يظنون أن فحواها وصل، ومضمونها حطّ في ألسنة الصحافيين.
 
ما تعرّض له زبيب، ليس رسالة. هو محاولة إسكات بالقوة، لم يتم استهلالها بالرسائل. لأن الواقف وراءها، قصد التصفية الجسدية وليس التحذير أو الردع. يستثمر المجرم بالتفلت الأمني، وتشظي الولاءات والخيارات والأجنحة لتضييع هوية القاتل. يستثمر في الانقسامات. 

فما يقوله زبيب منذ 17 تشرين الاول، لا يستثني أحداً من الفاسدين والمأجورين في النظام، والمحيطين به والمنتفعين منه. هو غير محصور في فئة مضلِّلة أو مضلَّلة، أو فئة مُهندَمة تحتمي بالهمجيين. قاد حملة توعوية اجتماعية بعد 17 تشرين ضد الفساد المعلوم والمجهول. لذلك، حصل الانتقام.

ما تعرض له زبيب، ليس رسالة. هو انتقام من شخص قال أكثر مما اعتاد الفاسدون سماعه. تجاوز السقف الذي يسمحون به ليبقيهم دون المحاسبة أو الاتهام. قال أكثر مما يتوقعون من تصريحات وإنشاء يحمونه في مجالس ومنابر إعلامية وثقافية و"ثورية". قال ما يمكن أن يحدث تأثيراً، ويشرّع للتغيير. قال ما يرفع مستوى الوعي، ويزيل السقوف التي وُضِعت لابقائهم تحت اتهام من غير إدانة. 

تم "التعامل" مع زبيب بالطريقة التي تعالج فيها المافيات أسباب التورّم. بعد "أوراق بنما" قُتلت صحافية في أوروبا الشرقية، وتم الاعتداء على آخرين في مناطق أخرى. وبعد 17 تشرين، تعرض محمد لمحاولة قتل. 

الرسالة الوحيدة التي تلقاها الصحافيون اليوم، تفيد بأنهم في لبنان "بلا حصانة". الفعل الثوري مُدان، بحسب المُعتدين ومَن خلفهم، وتم الانتقال الى مرحلة أخرى من التصفية تتجاوز مستويات الترهيب. 

لذلك، فإن التضامن مع زبيب لا يكفي. والدفاع عن حقه في التعبير لا يحميه ويحمي الآخرين. سياسة "الإفلات من العقاب" تبيح الاعتداء على آخرين. على قتلهم. تكمّ الافواه، حين تفشل في شراء الذمم. فهي تضع الصحافيين والثوريين بين خياري المقصلة والإسكات. 

الاعتداء على محمد زبيب ليس تفصيلاً، وليس حادثاً يُضاف إلى سجل الحوادث اليومية. نجا زبيب من القتل. لكن آخرين سيكونون عرضة له. سيكونوا أرقاماً في سجل ضحايا الرأي في لبنان. ومن دون دولة قادرة، تعاقب بحزم، وتحاسب بجديّة، سيُشرّع الاغتيال مرة أخرى ليطاول الصحافيين. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024