أييفا الدويهي.. مذكرات الـScreenshots

حسن الساحلي

السبت 2019/09/28
لتوثيق يومياتها في تطبيق "إنستغرام"، لا تلجأ الفنانة اللبنانية أييفا الدويهي للصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو، كما مستخدمي التطبيق الآخرين، بل لمواد بصرية من نوع خاص، هي "لقطات الشاشة" Screen shots، التي توثق ما يحصل على الهاتف في لحظة معينة.

من غير الشائع استخدام لقطات الشاشة هذه، لأهداف فنية، خصوصاً أنها مرتبطة بسمعة سيئة في وسائل التواصل الإجتماعي، والتي كرستها كمادة للنميمة (تحديداً مستخدمي "واتساب" الذين يلجأون لها لتسجيل محادثاتهم مع الآخرين، بهدف نقلها لأطراف أخرى). لكن، وكما تستعمل كاميرا المراقبة لأهداف مختلفة، يمكن أن تكون التجسس أو فضح خصوصيات الناس، قد تستعمل هذه المواد بطرق غاية في الإختلاف، وحدودها تتسع مع اتساع العالم الرقمي الذي تعيش ضمنه.

بدأت الدويهي مشروعها، العام 2018، وهو يتألف من صورة يومية تضعها في حساب خاص بالمشروع، في "إنستغرام"، ناقلة ما يحصل على هاتفها في اللحظة التي حمّلتها فيها (وهي تضع الصورة كل يوم في التوقيت نفسه: الساعة الثامنة و20 دقيقة).

في دردشة معها، تقول الدويهي لـ"المدن" أن المشروع خطر لها في البداية بعدما انتبهت إلى كمّ الـ"Screenshots" التي تأخذها بشكل يومي، وكمّ الإختلاف بينها من الناحية الجمالية، أو من ناحية الأفكار التي تتمحور حولها: "بالنسبة إلي، كان من المثير استعمال الشاشة كأداة لإنتاج الصور، وليس فقط لتمثيلها. فهي كاميرا من نوع خاص، يمكن عبرها كشف الكثير عنّا وعن سلوكياتنا على الهاتف، كما يمكن أن تشكل مع الوقت نوعاً من المذكرات الشخصية، وهي الطريقة التي قررت استعمالها بها".

فعلياً، يشكف المشروع كمّاً كبيراً من المعلومات عن الفنانة، من أمكنة تواجدها وطبيعة هذه الأمكنة الجغرافية (بسبب تطبيقات الخرائط التي تستعملها بحكم عملها في مجال التصوير الفوتوغرافي المتخصص في العمارة والطبيعة الحضرية).. إلى نبض الوسط الإجتماعي الذي تعيش ضمنه (يمكن تلمّسه من تصفحها لـ"فايسبوك")، والحالة المزاجية التي تمر بها والتي نعرفها مثلاً من نوعية الصور التي تضعها كخلفية للهاتف، أو الموسيقى التي تسمعها عبر تطبيق "سبوتيفاي".



تعطينا الصور أيضاً فكرة عن الحياة المهنية للدويهي، وعلاقاتها مع الفاعلين في وسط الفن المعاصر في لبنان، من عاملين في غاليريهات أو فريلانسرز، بالإضافة إلى أصدقائها الذين يعمل معظمهم في المجال الفني والمعماري. ربما الإيميل هو التطبيق الذي يختصر كل شيء هنا، واللقطات التي تركز الأحاديث المتبادلة فيه، تكوّن لنا فكرة عن أساليب الخطاب في هذه الدوائر المهنية والمؤسساتية التي تتحرك ضمنها، كما تكشف طموحات الدويهي للتطور في المجال الفني، من خلال تقدّمها الدائم بملفاتها للجوائز وتواصلها مع فاعلين في المجال.

في وسط المشروع تشهد حياة الدويهي تحولات مهمة من الناحية الشخصية، إذ تلد إبنها الأول الذي يصبح محور الإهتمام الدائم: الصورة الخلفية للهاتف مكرسة له، وتظهر تطبيقات وظيفتها المساعدة في تربيته (تذكرها بأوقات الطعام مثلاً ومراقبة وضعه الصحي). أما أحاديثها مع زوجها فتصبح متمحورة حول الحفاضات والحليب والتغيرات الصحية التي يمر بها الإبن، من دون أن ننسى تزايد حضور والدها ووالدتها في حياتها لمساعدتها في تربيته، لا سيما عند سفرها خارج لبنان (هناك مجموعة تضم الجميع في "واتسآب" وتبقيها مطلعة على ما يحصل).

تمر حياة أمام عيوننا على الشاشة، ويمكن لكل متابع نسج القصة التي يريدها منها. ربما من النقاط السلبية للمشروع أن الفنانة قررت التخلي عن السرد (حتى الآن)، ولم تحاول نسج رواية حقيقية من المواد التي أتيحت لها. لكن، من جهة أخرى، ربما لولا طابعه العشوائي، لما كان المشروع اكتسب واقعيته التي تدفع المشاهد أحياناً إلى الشعور بأنه يتلصص على حياتها الشخصية مثل أي مقرصن محترف.. ولو كانت هي التي أتاحت له ذلك بإرادتها.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024