مجموعات "واتسآب" المغلقة: إطلالة على "باكبورت" الذّكورة

أحمد ناجي

الأربعاء 2019/07/17
تتزايد المجموعات وشبكات التواصل المغلقة في مصر، كما في معظم الدول العربية، وذلك لأسباب مختلفة. أحياناً على سبيل التقية، فالمجموعات السياسية أو تلك التي تناقش الأمور الدينية، أصبحت مغلقة لتفادي المخبرين في عصر منشور "فايسبوك" الذي يقودك إلى السجن خمس سنوات.
هناك أيضاً الأسباب الاجتماعية، إذ تجمع تلك المجموعات المغلقة على الأفراد الذين يتشاركون دوائر المعارف، أو الامتيازات الاجتماعية، بداية من طلاب الجامعة الذين اصبحوا ينشئون الجروبات المغلقة هرباً من رقابة إدارة الجامعة والأساتذة، وصولاً إلى جروبات النساء المتزوجات، أو حتى المصابين بالاكتئاب.

يبدأ الجروب المغلق في "فايسبوك"، ثم نظراً للرقابة التي يمارسها الموقع نفسه، يتعمق وجود المجموعة في "الواتسآب". فالمجتمع الصغير الذي يتشكل في "فايسبوك"، يخلق شبكة اتصال موازية قوامها "جروبات الواتساب" حيث أصبح في الإمكان خلق رابط لمجموعة الواتساب ونشرها في الإنترنت ودعوة الأعضاء إليها، لكي ينتقل التواصل إلى الواتساب، وتصبح هناك قناتا اتصال، واحدة في "فايسبوك" للبوستات العامة ولبناء صورة المجموعة، وواحدة في "واتساب" للمنشورات والمحظورات التي قد يحذفها "فايسبوك" أو التي قد تعرّض المجموعة وأعضاءها للخطر.

واحدة من الأمثلة على هذه الشبكات هي الجروبات المغلقة محددة الجنس، مثل جروب "اعترافات متزوجة" والمقتصرة العضوية فيه على النساء، أو الأشهر جروب "جت في السوستة" وأعضاؤه من الرجال فقط. إحدى المجموعات الذكورية التي ظهرت مؤخراً، وفي أيام معدودة تخطى عدد أعضائها العشرين ألف شخص، مجموعة "Your Ex is here".

انتشر الجروب وحاز اهتمام وسائل الإعلام المختلفة، في خلال أيام قليلة، إذ بدأ تحت دعوى أنه جروب مغلق للذكور، لكي يتبادلوا مع بعضهم البعض حكاياتهم مع البنات "الشمال" (المنحلات أو المنفلتات) اللواتي خدعنهم، حتى يحذّروا الآخرين منهن. 

أحد الأعضاء، في بداية تأسيس الجروب، دافع عن حقهم في هذا الأمر، لأن البنات أيضاً لديهن جروبات مغلقة، ينشرن فيها صور المتحرشين الذكور ويشهّرن بهم، وبالتالي فالغرض من الجروب أن يكون رداً مماثلاً لفضح البنات الشمال.

بالطبع، هذا الغرض الفضائحي لم يتحقق في الجروب، لأنه ببساطة يتعارض مع قيمة ذكورية أخرى، وهي الشهامة والمجدعة وملكية الذكر للإناث، أو مثلما قال أحد الأعضاء "إفرض نشرت صورة بنت ودخل حد قريبها عمل لنا مشكلة.. مش عيب كدا؟". لذا تم وضع ميثاق شرف للمجموعة، من أبرز بنوده منع نشر صور أي بنت شمال..

تطور النقاشات على الغروب، هو مسلسل يعكس بؤس الذكورة المصرية المعاصرة، ويوضح أيضاً مدى هشاشتها.

في البداية هناك الغضب، فالبنات ما عُدن "القطط المغمضة"، بل أصبحن يتلاعبن بهم ويكسرن قلوبهم. يصرخ أحدهم لاعناً منطقة في الاسكندرية، لأن حبيبته السابقة من هناك وتخلت عنه، ومن ساعتها وقلبه محطم ولا يستطيع أن "يحب" من جديد.

ثم ينحرف النقاش إلى النصائح والأسئلة، "كيف تتعرف على البنت الشمال؟". يسأل البعض:  "كيف يثق في حبيبته أو الفتاة التي ينوى خطبتها؟".. بعضهم يطرح أسئلة من نوع أن خطيبته كانت مخطوبة قبل ذلك، فهل يثق بها؟؟

عقدة شهريار لا تزال تتكرر منسابة عبر الجينات العربية. يبدأ البعض في وضع أسم خطيبته التي يرغب في الزواج منها، ويسأل الجمهور: هل تعرفون شيئاً عنها؟ يتدخل "الأدمن" ويضع شرطاً جديداً، يمنع وضع الأسماء، لأن هذا تشهير.

مرة أخرى، الذكورة الجريحة الراغبة في الانتقام تصطدم بقيمة ذكورية أخرى وهي الشرف الذكوري الذي يفرض وصايته على الإناث، وبالتالي فحينما تنشر اسم فتاة أو صورتها، فليست المشكلة في الفتاة، بل في تعدّيك على ملكية ذكر آخر، لذا فمثل هذه الممارسات غير مسموح به.

ووسط هذا الضجيج، هناك بعض الأصوات العاقلة. يعلق أحدهم "يا جماعة مش معنى أن واحدة مشت معاك، تبقى شمال، وإلا أنت كمان تبقى شمال".

غالبية أعضاء الجروب من المصريين، لكن مصر كبيرة ومتنوعة. يعبر أحدهم، وهو من الصعيد، عن اندهاشه: "ايه يا جماعة كمية البنات الشمال دي، احنا عندنا البنت مداس، ولسه البنت ابوها بيوصلها الجامعة واخوها بيرجع ياخدها، وانا اتجوزت مراتي علشان اخت مرات ابن خالي، ومتربية قصاد عيني".

تأتيه الردود ساخرة: "يا عم واضح بس أن أنت اللي في حالك ومش عارف حاجة". يرد آخر عليه: "أنا من الصعيد وبقول لك الكلام دا كان زمان".

رويداً رويداً يحدث التمايز العمري في الجروب، فالسن عنصر مهم في الذكور حيث تترتب عليه المسؤوليات ومهام الذكورة. فالشباب الصغير الغاضب، العنيف في ردوده الذكورية، المندفع للتشهير، يواجه بردود الأكبر سناً، كالمتزوجين المقيدين بالالتزامات والذين لا يملكون حرية التصرف مثل الشبان. 

يتزايد الصراع بين التيارين، ويبدأ التيار الأخلاقي في الانتصار، وفرض المزيد من المحاذير. يضع أحدهم رابط جروب في "واتساب" مخصص "للنودز/الصور العارية التي ترسلها البنات". يهرب جميع الذكور الغاضبين المتحمسين للتشهير، إلى غروب "واتساب" الأكثر أماناً، والذي لا يمكن فيه التبليغ ولا رقابة عليه. أما جروب "فايسبوك"، فيتحول الى مجموعة تعارف، كلما وضع أحدهم تعليقاً، يدخل آخر ويسأله: "أنت منين؟". يردّ من المنطقة الفلانية، يرد عليه طيب تعرف فلان، لا أعرف علان. ثم تتسع دائرة التعارف والخدمات.

ولم تمر سوى أيام على ظهور الجروب، حتى بدأ في التحول الى غيره من الجروبات الذكورية مثل "جت في السوستة". فشبكات التعارف ربطت بين الأعضاء، وبدأت إعلانات البحث عن وظيفة أو الاحتياج لمساعدة في الظهور. وبدلاً من مجموعة التشهير أو صيدلية الذكورة الجريحة، تتحول المجموعة إلى حلقة تضامن لتفسح المجال لقيم الشهامة واستعراض المساعدة والأخوة والرجولة.

الذَّكَر الغاضب الجريح، يعبّر عن غضبه ثم تخطفه ضغوط الحياة الاقتصادية والبحث عن لقمة العيش، ويترسخ داخله الاحساس الدائم بالظلم والخيانة من الحبيبات والدنيا والعالم.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024