لبنانية فرّت الى اسرائيل تكتب مقالاً ضد باراك..ويستثمرها نتنياهو

أدهم مناصرة

الأربعاء 2019/07/31
"إعتذار باراك يثير حنقي".. بهذه الكلمات، عنونت اللبنانية الهاربة إلى إسرائيل هيلين أسعد نصر، مقالتها في جريدة "اسرائيل اليوم". فالكلمات المنشورة، هي بمثابة مثال حيّ على أن الدولة العبرية لا تضيع أي فرصة لـ"إستخدام" مَن تبقى مِن لبنانيين هاربين موسومين بـ"العَمالَة"، ولو من وجهة نظر طرف لبنانيّ دون الآخر، ما دام ذلك ضرورة إنتخابية لصالح اليمين الحاكم في وجه خصومه.

ونصر استُخدِمت- ولو كأداة هامشية- في عملية تسخين ينتهجها الإعلام اليميني للمعركة الدعائية الإنتخابية عبر فتح ملف الإنسحاب من جنوب لبنان بعد 19 عاماً، بغية ضرب رأس حزب مستجدّ هو "إسرائيل الديموقراطية" في إطار الصراع على أصوات الحسم.

صحيفة "إسرائيل اليوم" المقربة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ارتأت أن تستغل "بكائية" هيلين نصر، كي ترد على تبريرات العائد حديثاً إلى المشهد السياسي بعد غياب، ألا وهو ايهود باراك زعيم حزب "اسرائيل الديموقراطية" والمتحالف مؤخراً مع حزب "ميرتس".. إذ بادر باراك بصفته كان يشغل رئاسة الحكومة الإسرائيلية حينها، أي في العام 2000، إلى فتح ملف ما عُرف من خصومه بملف "الهروب من جنوب لبنان"، محاولاً الدفاع عن خطوته التي يُجلد بها من اليمين وجهات أمنية صباحاً ومساءً، عبر القول "إن الخروج كان لمنع قتل مزيد من الجنود الإسرائيليين".

غاضبة من إعتذار باراك لفلسطينيي 48
وتعبّر نصر في مقالها الذي نشرته "إسرائيل اليوم" الأحد الماضي، عن صدمتها من إعتذار ايهود باراك من فلسطيني 48 بسبب إستشهاد 12 فلسطينياً برصاص الشرطة الإسرائيلية على خلفية اندلاع الإنتفاضة الثانية في خريف 2000. بينما تناسى، وفق قولها، أن يعتذر من "اللبنانيين الذين قاتلوا من أجل إسرائيل".. فهي "من عائلة شهداء فقدت أباها وأشقاءها في سبيل ذلك"، على حد تعبيرها.

مع التنويه بأن إعتذار باراك لفلسطينيي 48، لم يأت من منطلق أخلاقي، بل جاء كشرط لحزب "ميرتس" اليساري في مقابل الموافقة على التحالف مع باراك الذي يريد أن يدخل الحلبة السياسية بأي وسيلة، ولأهمية الصوت العربي بالنسبة له في الإنتخابات المقبلة.. ومن المؤكد أن باراك لا يكترث بالإعتذار للبنانيين الفارين إلى "دولته"، بإعتبارهم "أقلية لا تعني شيئاً في الميزان الإنتخابي".

فخورة بالخدمة في الجيش الإسرائيلي
وتنتقل نصر في مقالها إلى السردية في التعبير عن مظلوميتها وبقية الفارّين، منذ ليلة الهروب من جنوب لبنان في 25 مايو/ايار 2000، "ما تسبب بخسارتهم قراهم وأراضيهم في جنوب لبنان"، معتبرة ذلك "جريمة لا تُبرر".

كما وتتطرق نصر إلى مفارقات "مؤلمة" بالنسبة إليها في طريقة تعامل إسرائيل معهم كلبنانيين في مقابل ما دفعوا من ثمن من أجلها، فهي لا تعطيهم "مُواطنة" وتكتفي بمنحهم الإقامة، ناهيك عن "الواقع الصعب الذي يعيشونه"، كما تقول.. لكنها، تعود من هذا "العتاب" لتفاخرَ بأن أولادها يخدمون في الجيش الإسرائيلي رغم كل شيء.

مغيّبون عن الإعلام الإسرائيلي
الواقع، أن الظهور الإعلامي لهيلين نصر وغيرها ممن يوصفون بـ"العملاء الفارّين"، شحيح جداً، ككتاب مقالات. وقد ظهرت قبل ذلك بسنوات قليلة، في برنامج تلفزيوني عبري اسمه "ماستر شيف"، وإذ بها تتباكى بإعتبارها ثكلى من "جيش جنوب لبنان" لم تتوانَ عن "التضحية".. ثم وجدت ومَن معها بعد كل هذا، واقعاً صعباً في إسرائيل، فذرفت الدموع، وما كان من يهود إسرائيليين مشاركين بالبرنامج المذكور إلا أن نهضوا وعانقوها على الشاشة المستطيلة كتعبير عن تعاطفهم معها.

قلما نسمع أصواتاً لهذه الشريحة في الدولة العبرية، الا في الحديث عن "انجازات" تحققت "لصالح الدولة العبرية"، مثال مشاركة أرزة حداد في فريق علمي لصناعة الصواريخ، فضلاً عن ظهور بنت لعائلة لبنانية فرت الى اسرائيل في العام 2000 في مسابقة جمالية، إضافة الى الاخبار التي تصدر بين الحين والآخر عن خدمة البعض في جيش الاحتلال، الى جانب تحركات مع فارق زمني، بينها اثر اللقاء مع البطريرك الماروني بشارة الراعي يوم زار القدس برفقة البابا فرنسيس.

وبينما ظهر ان مقال هيلين نصر، لم تتناقله أو تهتم به وسائل إعلام أخرى غير "إسرائيل اليوم"، اليمينية، شوهدت بُكائيات هؤلاء الفارين في السنوات الأولى لدخولهم إسرائيل معبّرين وقتها عن "الإهمال الذي تعرضوا له"، لكنها سرعان ما تلاشت.. ليس لأنهم أُنصِفوا، وإنما لإنتقال نسبة كبيرة منهم من إسرائيل إلى "موطن ثالث" كأوروبا، مع عودة جزء قليل منهم لا يتعدى العشرات إلى الدولة اللبنانية في أعقاب سنّ برلمانها قانوناً يتيح العودة للبعض ضمن شروط السلطات اللبنانية في العام 2013.

على العموم.. يبدو أن نصر جاء دورها الآن، كي تنتقد باراك، لتشفي غليل نتنياهو في معركة ليس لها فيها ناقة ولا جمل. لكنها أرادت أن تكرّس فكرة التحالف بين جيش لبنان الجنوبي المنحلّ، مع حزب الليكود، وهو تحالف تقليدي منذ عقود ولو بعد حين، حتى لو أنكرتهم إسرائيل وابتذلتهم!

كم لبنانياً فاراً بقي في إسرائيل؟
وبعد خروج أعداد كبيرة من هؤلاء اللبنانيين من إسرائيل إلى موطن ثالث، لم يتبقَ منهم الآن سوى ألفين وبضع مئات، من أصل ستة آلاف كانوا قد دخلوا بعد الإنسحاب في العام 2000، فضلاً عن عودة فئة قليلة إلى لبنان. 

ويعيش هؤلاء اللبنانيون الفارون مع اليهود الإسرائيلين بعدما نبذهم فلسطينيو الخط الأخضر ورفضوا التعامل معهم إطلاقاً.. حيث أنهم لم يحصلوا على الجنسية الإسرائيلية وإنما حصلوا على إقامة دائمة، ولم تعطهم الدولة العبرية أي مساعدات مالية. 

الجيل الجديد أكثر اندماجاً
أبناء الفارين من الجيل الثاني، وحتى من تصل أعمارهم إلى الثلاثينيات، باتوا يتعاملون كما لو أنهم "مواطنون إسرائيليون"، فباتوا منغمسين أكثر في الثقافة الإسرائيلية، ويتحدثون ويكتبون العبرية بطلاقة، وينتابهم الحقد على العرب، كما يصفهم أحد فلسطينيي 48 في حديثه لـ"المدن".

في المقابل، يقول هذا المصدر إنه التقى عدداً من الجيل الأول للهاربين مرات عديدة، حيث يعملون كعمال في مطاعم في "كريات شمونة" وحيفا ومناطق أخرى، لدرجة أنه لاحظ ذات مرة أن أحدهم ضبط شاشة التلفاز على محطة "المنار" التابعة لـ"حزب الله".

ورفضت إسرائيل بعد إنسحابها استيعاب جنود وضباط "لحد" في صفوفها، لكن هناك عدداً ضئيلاً من أبناء الجيل الثاني يخدم في هذه الأثناء في صفوف الجيش الإسرائيلي، أسوة بأبناء كاتبة المقال سالف الذكر هيلين نصر.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024