نتنياهو الذهبي.. مَلِك إسرائيل الجديد

علي السقا

الأربعاء 2016/12/07
"الآن سيقيمون هنا تمثالاً من ذهب"، هكذا علق بنيامين نتنياهو ساخراً، أمام طلاب الكلية العسكرية الإسرائيلية في النقب، بعدما أحضر له الطلاب كرسياً خشبياً ليجلس عليه بدلاً من آخر بلاستيكي.
سخرية نتنياهو جاءت في خضم جدل سياسي وشعبي في إسرائيل، بعد إنجاز النحات الاسرائيلي ايتاي زلايط تمثالاً منحوتاً ومذهباً لنتنياهو، ونصبه ليل الإثنين في ساحة رابين أو "ساحة الملوك" في تل أبيب، قبل أن يقوم أحد الاشخاص الغاضبين الثلاثاء بإزالته بتسهيل ربما من البلدية التي طالبت برفع التمثال. 

الخطوة التي قام بها زلايط استطاعت أن تضرب في أكثر من اتجاه، وإن كان ما أراده منها تفحص مستوى حرية التعبير المتبقية في الكيان الإسرائيلي. فقد سمح صنع التمثال أولاً، ثم تذهيبه، ووضعه في "ساحة الملوك"، باستعادة محطات من تاريخ اليهود السياسي والديني تخاطب جميع الإسرائيليين دون استثناء، وهو ما انتشر بكثافة في مواقع التواصل الاجتماعي.

فما فعله زلايط الذي أطلق على تمثال نتنياهو إسم "الملك بيبي"، أشار صراحة إلى أن رئيس الوزراء الحالي بات في هيمنته على الحياة السياسية والاقتصادية في إسرائيل لثماني سنوات متواصلة، أشبه بملوك إسرائيل السيئين الوارد ذكرهم في التوراة، مثل أبيام بن رحبعام، والذين لم يغادروا الحكم إلا قتلاً أو بعد موتهم. 

أما تذهيب التمثال، فهو استعادة رمزية للعجل الذهبي "هزهب" الذي صنعه بنو إسرائيل بطلب من هارون خلال غياب موسى عندما صعد إلى جبل سيناء، وذلك ليرضوا أنفسهم بعبادته، الأمر الذي قوبل بغضب الرب في التوراة، فقال لموسى: ‏"أسرع وانزل.‏ فالشعب يعمل شراً عظيماً.‏ لقد نسوا شرائعي وها هم يسجدون لعجل ذهبي"، وهو ما جاء ذكره في القرآن الكريم أيضاً في سورة الاعراف.

وقال زلايط للقناة الثانية الإسرائيلية إن هدفه من صنع التمثال فحص حدود حرية التعبير في إسرائيل اليوم، بعد صراع واضح بين الجسم الثقافي الإسرائيلي ووزارة الثقافة، التي يقولون إنها تعمل على تدجين المثقفين بفرضها طلب ولائهم للحكومة، قبل حصولهم على أي دعم، سواء كانوا أفرادا أو جمعيات. 

ويمكن تلمس حجم النفوذ الذي بات يتمتع به نتنياهو وأعضاء حكومته، بتعليق وزيرة الثقافة ميري ريغيف على ما حصل، حيث قالت على صفحتها في "فايسبوك"، إن زلايط "عمل بشكل فردي" وإن "عجله الذهبي الوحيد هو كراهية نتنياهو".

وإذا كان ليس متبعاً تشييد تماثيل للزعماء الإسرائيليين في الاماكن والشوارع العامة، فإن وضع التمثال جاء على شكل رسالة احتجاجية على سياسة نتنياهو، والقول إن ثماني سنوات من حكم الاخير، قد أحالته واحداً من رموز الشمولية في العالم. كما هي الحال مع تماثيل لزعماء دول أخرى مثل ماو تسي تونغ في الصين، أو بعض الزعماء العرب. وهو أمر مثير للسجال في إسرائيل التي تقدم نفسها دائماً على أنها واحة "ديمقراطية" في الشرق الاوسط. 

رسالة زلايط كانت فرصة استغلتها المعارضة الإسرائيلية أيضاً، في معركتها ضد نتنياهو، حيث وصف زعيمها اسحق هرتسوغ التمثال بأنه "احتجاج شرعي"، وفق ما أوردته الإذاعة الإسرائيلية.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024