لوبي "الجزيرة": لا نفاذ لإسرائيل من الإدانة

نذير رضا

الثلاثاء 2017/01/10
أهمية التحقيق الاستقصائي الذي تعرضه قناة "الجزيرة" عن اللوبي الإسرائيلي في لندن، تتخطى تآمر هذا اللوبي لصالح جهات أجنبية. فهو، من ناحية مهنية، أول تحقيق من نوعه، بالصوت والصورة، يكشف حجم الجهد الاستقصائي الذي لا يدع مجالاً لدى اسرائيل للتشكيك أو الدحض، أو تجييره لصالح بكائيتها وادعائها المظلومية، بوصفها "مستهدفة من العرب".
فالوثائقي الذي يظهر مراسل القناة ملاصقاً لطاولة جمعت ماريا ستريزولو، مساعدة وزير التعليم البريطاني، والمسؤول السياسي بالسفارة الإسرائيلية في لندن، شاي ماسوت، يعتبر نقلة نوعية في تجربة الصحافة الاستقصائية، بالنظر الى أنه يوثق الدليل بالصوت والصورة، وبالتالي، فإن المصداقية المترتبة على هكذا جهد، تقضي على أي احتمال للنقض، يمكن أن تتبعه اسرائيل. 

من الناحية المهنية، هو تجربة غير مسبوقة على هذا المستوى من الفضائح. قد تتخطى، بالقدرة على استحضار الدليل، الجهود الاستقصائية الدولية، وأهمها الجهود الاميركية، التي أطاحت رؤساء، كما في فضيحة "ووتر غيت" الأميركية، أو حتى إطاحة وزراء ومسؤولين، في سلسلة وثائق نشرت في وقت سابق، وكانت الصحف الأميركية أبرز ناشريها منذ السبعينيات. 

تالياً، لم يكن أمام المتورطين، الا الاستقالة، كما في حالة ستريزولو، أو الاعتذار، كما في حالة السفير الاسرائيلي في لندن مارك ريجيف بعدما سُجل سرًّا مقطع فيديو لمسؤول كبير في سفارته يقول فيه إنه يريد التخلص من وزير الدولة لشؤون أوروبا والأميركيتين في وزارة الخارجية البريطانية، سير آلان دنكن، بسبب مواقفه ضد الاستيطان الإسرائيلي.

ويكاد الوثائقي الجديد يكون فضيحة مدوية لم تسبقها أي فضيحة بريطانية خلال السنوات الخمس الماضية، بعد فضيحة التنصت الاعلامي في 2011، حين استُدعي امبراطور الإعلام روبرت مردوخ، وابنه جيمس، للاستجواب في شبهة "تورط" صحيفة "نيوز أوف ذا وورلد" بالتنصت على هواتف مواطنين، وتقديم رشاوى لضباط شرطة لقاء معلومات سرية يقدمونها للصحيفة. 

ونادراً ما تكون وسائل الاعلام البريطاني سباقة للكشف عن فضائح محلية من هذا النوع، رغم المقاربات والمتابعات المهمة للفضائح والتسريبات في بريطانيا ودول أخرى. وهي بذلك، تعتبر أقل قدرة من الصحف الأميركية على متابعة ملفات مشابهة. 

في "برومو" الوثائقي، يلتصق المراسل بطاولة تجمع الشخصيتين. يرصد حديثهما، بالصوت والصورة، وكيفية مقاربة الملف. فالإسرائيلي، الطامح إلى منصب في الشؤون الخارجية في الاستخبارات الاسرائيلية، يمارس الدور الاستخباري لإطاحة مناهض لسياسة الاستيطان، أو بإطلاق صفة مشينة بحق وزير خارجية بريطانيا. وما كان المراسل ليستطيع الحصول على الدليل، الذي صور في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لولا الإلمام والمتابعة للمواقف، والترصد الشخصي، وصولاً إلى توثيق فضيحة مشابهة. 

معطيات التحقيقات الاستقصائية المصورة في الوقت الراهن، نادراً ما تطاول فضائح كبيرة من هذا النوع. في حالات عربية، توثق حالات فساد، تطاول شخصيات عادية في وظائف حكومية أو خاصة. أما في القصايا والملفات الكبرى، فإنها عادة ما تُجمع من سجلات اتصالات، أو وثائق مسربة، أو معلومات استخبارية. في الحالتين، يتجاوز وثائقي "الجزيرة" تلك القواعد المعروفة، بالنظر الى أن الاحتياطات الأمنية التي يتخذها مسؤول مخابراتي، قد تحول دون ذلك.. من هنا، يُعتبر الوثائقي استثناء مضيئاً.. ما يزيد من ضجته التي دفعت الصحف البريطانية إلى التعاطي معه بمقاربة مختلفة عن سائر المعلومات التي ظهرت في وسائل إعلام عربية في وقت سابق، لجهة إدانة إسرائيل. 

وإثر "البرومو"، نشرت صحيفة "ميل أون صانداي" البريطانية، مقالاً لوزير سابق، قال فيه إن الوقت حان لإنهاء مشكلة شراء إسرائيل للسياسة البريطانية. فيما أوردت صحيفة "الغارديان" أن الدبلوماسي الإسرائيلي الذي تآمر على نواب بريطانيا، قام أيضاً بتشكيل مجموعات سياسية.

ويكشف الفيلم الذي يحمل اسم "اللوبي"، عن مساعي موظفين في السفارة الإسرائيلية في لندن، لتشويه سمعة نواب في البرلمان البريطاني تعتبرهم مُعادين لإسرائيل. ويعرض التحقيق تفاصيل أخرى عن تغلغل المخابرات الإسرائيلية في بريطانيا، وقد أثار ضجة في لندن، وطالب نواب محافظون بفتح تحقيق في القضية.

ويبدأ عرض حلقات الوثائقي بدءاً من الأحد المقبل، في أربع حلقات. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024