ديما صادق.. والمحجبات ما بعد عناية عزالدين

نذير رضا

الخميس 2019/01/10
قبل أشهر، نشرت الزميلة ديما صادق تغريدة بيضاء من دون أي حرف. فتلقت ردوداً مهاجمة، بينها شتيمة "على صحة السلامة"، كما كتب مغرد. كانت تغريدتها تلك، بمثابة اختبار لتحسّس الموقف السلبيّ منها، بالنسبة لجمهور يضع كل تغريداتها في إطار استهدافه، من غير النظر في ما إذا كان ما تكتبه صائباً، أو يستدعي النقاش من عدمه. 
الموقف المسبق من ديما، ينسحب على كل تغريداتها. فهي في نظر كثُر من الجمهور الشيعي، "خائنة لأبناء جلدتها"، و"معادية لبيئة المقاومة"! وأضيفت اليها أخيراً تهمة معاداة الحجاب.

يربط هؤلاء الكارهون بين مواقفها السياسية، ومواقفها الانتقادية، بما يرونه موقفاً مسبقاً من المحجبات، وتجلى ذلك في الصورة التي نشرتها في تغريدة أمس الاربعاء، أظهرت امرأة غير محجبة تخالف مجموعة من المحجبات وتدير ظهرها لهم خلال القراءة في كتاب.

غير أن المواقف المسبقة من صادق، ليست وحدها الدافع وراء شن الحملات عليها. فالاعلامية اللنبانية، كانت أعربت عن قناعتها بمعارضة الحجاب في لقاء تلفزيوني مع هشام حداد قبل فترة قصيرة. فجاءت التغريدة الآن لتكرس موقفها المعلن، وهو ما قضى على فرص ايجاد منافذ لها بالنسبة لجمهور يعاديها أصلاً، وينتظر موقفاً للتعبير عن سخطه منها، ولتوجيه الانتقاد والسباب لها. 

منذ مساء الثلاثاء، شن المغردون حملات على ديما بوصفها "تستهدف المحجبات" و"تنتقص منهن". بررت بالقول انها لا تتحدث عن المحجبات، بل عن المنقبات. لم يفلح التبرير في التخفيف من حدة الانتقاد الذي تنوع رواده بين كارهٍ لديما، وصديق لها، ومحجبة تدافع عن نفسها للاثبات بأن الحجاب لا يعيق تقدم المرأة ولا يحدد مستواها الثقافي.

وفي مقابل هذا الانتقاد، برز المدافعون عن رؤية ديما، وما تحمله رموز الصورة، وذهب البعض الى تحليل سيميائية الصورة، وأضيفت اليها نسخ أخرى تحمل الفكرة نفسها، تطاول متخلفاً عن الالتحاق بثورة، أو متخلفاً عن الالتحاق بالجيش.

وصادق، تتشارك مع مئات الآلاف موقفاً مبدئياً من النقاب، رغم أن الهجوم عليها جاء بشكل كبير من الناشطين الشيعة في "تويتر"، وهو امر مستهجن، كون النقاب لا يقتصر على طائفة أو مذهب معين، ومع أن عدداً قليلاً جداً من الشيعة اللبنانيين يرتدون النقاب الذي لا يعتبر زياً إسلامياً. فهو زيّ تقليدي متوارث من بيئات اجتماعية متزمتة تعتنق الاسلام على مساحات انتشاره في العالم. لم يفرضه الاسلام، وينبذه المتنورون الاسلاميون بوصفه اضطهاداً رمزياً لحرية المرأة وصورتها. ولم يتحدث عنه كفرض ديني، سوى المغالين والمتشددين دينياً، وبات عبئاً انسانياً على الكثير من المسلمات في دول العالم، ويقوض حركتهن، ويلزم الاسلام بمفاهيم لم يفرضها. 

فتحت تغريدة صادق سباقاً على الرد، وللاثبات بأن المحجبة لا تنتقص الثقافة والعلم، وتجلى ذلك في تقرير أعده موقع الضاحية على الفور. هذا الملف، يتم التعامل معه بكثير من الحساسية، وتتم مناقشته بادعاء "المظلومية"، ذلك ان الموروث الكبير من الانطوائية، خلق هذا الشهور وعززه، قبل أن يتغير قبل ثلاث سنوات عندما تولت الدكتورة عناية عز الدين، المحجبة، منصب وزارة دولة في حكومة الرئيس سعد الحريري الثانية، رغم أن البعض لا يزال يركن في الماضي ويردد مأثورات ظهرت قبل سنوات طويلة في معرض أي نقاش بمفعول رجعي يطال المحجبات.

لا جدال في أن توزير عزالدين، وثم فوزها بمقعد نيابي أخيراً، عزز شعور المحجبات بالقدرة على الوصول. أنهى الكثير من الاحباط في البيئة الشيعية الناتج عن اقصاء المحجبات عن المواقع القيادية. حصلت ثورة على هذا الصعيد، ساهمت الى حد كبير في انهاء الشعور بالاقصاء الذي كانت تعيشه المحجبات في الطائفة الشيعية، وتحديداً في "حركة أمل".

ففي الجنوب، يتردد اسم عزالدين، ومدير عام الشؤون السياسية في وزارة الداخلية فاتن يونس، كمثال على نهاية زمن اقصاء المحجبات. يقول الجنوبيون ان جرعة ثقة منحها رئيس مجلس النواب نبيه بري للمحجبات ولأمهات شهداء "أمل" أو شقيقاتهن، حين وصلت عزالدين الى الحكومة. وأمام هذا المشهد، فإن شن الهجمات على صادق، لا ينطلق من شعور بالاحباط والدونية لدى المحجبات، كما قال بعض المدافعين عنها، بل هو هجوم بخلفية شخصية وسياسية، وتكريس لعملية الهجوم على صادق "على صحة السلامة". 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024