"تشكيلات".. أسرار عالم الإستخبارات التركية

جو حمورة

الخميس 2021/03/11
لم يتأثر الإنتاج التلفزيوني التركي كثيراً جراء جائحة "كورونا"، إذ لا تزال تركيا تنتج المسلسل تلو الآخر، وتخطو خطوة إضافية نحو تجسيد الواقع على الشاشة الصغيرة، وذلك عبر مسلسل "تشكيلات" الذي بدأ عرضه يوم الأحد 7 آذار/مارس الحالي.
تحظى المسلسلات التركية بإهتمام واسع النطاق في تركيا كما في مجمل دول الشرق الأوسط والقوقاز والبلقان، حيث تتمتع بدقة وحرفية عالية الجودة، كما بسخاء مادي على الإنتاج ونسبة مشاهدة عالية. إلا أن الجديد الذي يقدمه مسلسل "تشكيلات" هو تطرقه إلى موضوع حساس جداً في تركيا، وهو موضوع نشاطات الإستخبارات التركية، وتجسيده لأحداث حقيقية حصلت في الماضي، كما بثه لمشاهد حصلت بالفعل خلال العمليات الأمنية والعسكرية في تركيا وجوارها.

وحظيت الحلقة الأولى من المسلسل بنسب مشاهدات عالية، بالإضافة إلى تفاعل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي التركية وحتى العربية. 


وتطرقت الحلقة الأولى إلى بطل المسلسل (سردار) الذي كان يعيش طفولته في ألمانيا عام 1996، حيث هاجمته عصابة متطرفة وقتلت عائلته حرقاً. ثم لا يلبث أن يهتم به دبلوماسي تركي وينقله إلى "أرض الوطن"، لينضم إلى جهاز الإستخبارات التركي لـ"يفدي الوطن والعلم والهلال". 

من بعدها، تتشعب قصة المسلسل حيث يقوم البطل باعتقال أحد المجرمين من داخل أراضٍ عربية، واستخلاص جهاز الإستخبارات حصول تحالف بين المنظمات الإرهابية لتدمير تركيا، ما يستدعي إنشاء فريق خاص من الأتراك للتصدي لهم. 


وفيما تضمن المسلسل بعض المشاهد من مبنى جهاز الإستخبارات التركي الحقيقي المعروف بـ"القلعة"، ومشاهد أخرى لطائرات من دون طيّار، لا تغيب الدراما الحياتية والعائلية عن المسلسل أو حتى قصص العشق والغرام المعقدة التي تميّز مجمل المسلسلات التركية الحديثة. 

تعود أهمية مسلسل "تشكيلات" إلى أنه يضيء على عمليات أقوى الأجهزة التركية تأثيراً وأكثرها غموضاً، هذا في وقت إرتفع من شأن رئيسه الحقيقي، هكان فيدان، في الحياة السياسية التركية ودائرة صنع القرار منذ العام 2015. 

فعدا كونه صديق رئيس البلاد، رجب طيب أردوغان، يقوم الجهاز بعمليات مهمة خارج الحدود التركية، خصوصاً في سوريا وآذربيجان، ويتبادل معلومات مع كل من حلف شمال الأطلسي، إيران وإسرائيل وقطر... بالإضافة إلى أن واحداً من أسباب الخلاف القديم بين أردوغان ورئيس الحكومة السابق أحمد داوود أوغلو كان حول دور الجهاز المتزايد ودور هاكان فيدان الكبير في البلاد.


المسلسل الجديد من إخراج تيمور سافجي وبوراك ساغياشار، ومن بطولة تشاغلار أرطغرل، دنيز بايسال يورتشو، ومحمد أسطى وغيرهم، ويعرضه التلفزيون الرسمي التركي "تي آر تي" أسبوعياً كل يوم أحد.

لا تختلف نوعية الإنتاج أو أسلوب التصوير والإضاءة وسياق الرواية في مسلسل "تشكيلات" عن مسلسل "الوعد" المنتج العام 2017. هذا الأخير يضيء في حلقاته الـ83 على فرقة مهمات خاصة في الجيش التركي تتمركز على الحدود السورية، وتقوم بملاحقة قطّاع الطرق والمنظمات الإرهابية، داخل الحدود وخارجها، وتهتم بحماية البلاد والمدنيين من الأشرار ومموليهم الغربيين.

في المسلسلين كمية كثيفة جداً من التعابير والمفردات والأحداث التي تؤكد على عظمة الشعب التركي ودور الجيش ومؤسسات الدولة المهمة، كما تركيز على عامل الفداء وحب الوطن وإحترام القانون وطيبة الأتراك الفطرية. بالإضافة إلى رفع من شأن كبار السن، ورجال الإطفاء والإسعاف، وعلم البلاد وثقافتها ورموزها وقوميتها.

لا تهدف هذه المسلسلات إلى إمتاع الأتراك وسواهم على الشاشة الصغيرة، إنما لها أهداف سياسية وإجتماعية كذلك، عبر بث روح من الوحدة والوطنية وإعلاء شأن الجيش خادم المجتمع كما القومية التركية، وهو الأمر الذي يأتي مكملاً للنظرة السياسية والإجتماعية الطاغية بين حكام تركيا اليوم. 

من ناحية أخرى، تفيد هذه المسلسلات لبث الثقافة التركية خارج تركيا، وجعلها مركزاً جاذباً للآخرين، كما جعلها قادرة على التأثير بالآخرين أكثر بكثير من قدرة الآخرين التأثير في شعبها. وهذا ما يمكن تلمسه بشكل حقيقي مع تحوّل تركيا، منذ زمن، إلى مركز سياحي وصحي وتجاري وسياسي فاعل في محيطه الإقليمي، في وقت تتم ترجمة مسلسلاتها ودبلجتها لتعرض على الشاشات العربية بشكل غالب ومن دون منافسة حقيقية تذكر.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024