الإعلام التركي: "أخفضوا رؤوسكم.. الزلزال ليس قدراً"

جو حمورة

السبت 2020/02/08
لا يشكل وقوع الزلازل في تركيا حدثاً استثنائياً، حيث تقع تلك البلاد على الخط الفاصل بين آسيا وأوروبا، وتشهد منذ مئات السنوات، زلازل متعاقبة. بعضها ضخم ومدمر، وغيرها بسيط وعادي، إلا أن أعداد القتلى فيها يتراجع باستمرار. وقدم الإعلام التركي مؤخراً دليلاً شاملاً للوقاية من الزلازل، التي عادت لتشغل البلاد، إثر زلزال ألازيغ، الشهر الماضي.

ويعود تراجع أعداد الضحايا إلى حملات التوعية التي يبثها الإعلام التركي على مدار السنة، وإلى السياسات الحكومية التي تهتم بفعل المستحيل لتجنب وقوع عدد ضخم من الضحايا. وحتى السياسات المحلية ووصول حزب "العدالة والتنمية" إلى الحكم، يرتبطان بشكل مباشر بالزلازل في البلاد، علماً أن زلزالاً بقوة 6.8 درجات على مقياس "ريختر" ضرب ولاية ألازيغ في 24 كانون الثاني/يناير الماضي تلاه وقوع أكثر من 800 هزة ارتدادية، وأدى إلى وفاة حوالى 40 شخص فقط.

يتذكر الأتراك، وبشكل جلي، ما حل بمدينة إزميت شرق اسطنبول العام 1999، حين أنهى زلزال مدمر، حياة 40 ألف شخص في ليلة واحدة. فيما كان الرد الحكومي على هذه الفاجعة في حينها بطيئاً ودون المستوى، وأدى، بالتالي، إلى تنامي المعارضة الشعبية ضد الحكومة، وساهم، بقدر مقبول، باختيار الناس لحزب "العدالة والتنمية" الحديث النشأة.

ويدين الحزب الحاكم للزلازل بوصوله إلى الحكم، الأمر الذي دفعه، منذ العام 2002، إلى وضع "سياسة الزلازل". تتبنّى "العدالة والتنمية" سياسة خاصة لمكافحة أثارها، والقائمة، بشكل رئيسي، على بث حملات إعلامية كثيفة وطويلة الأمد تمتد على مدار السنة لكيفية التصرف حين وقوعها. وعليه تعرض شاشات التلفزيون التركية حلقات وندوات بين الحين والآخر تُرشد الأتراك إلى كيفية التصرف لحظة وقوع زلزال. كما تستضيف المحطات الإعلامية خبراء متخصصين في هذا المجال، أو شهود عيان خرجوا أحياء من تجارب قاسية عاشوها تحت أنقاض منازلهم.

بالإضافة إلى الإعلام، عملت الحكومة أيضاً على إنشاء عشرات مراكز الاستشعار لقياس درجات الزلازل في طول البلاد وعرضها، كما أرسلت الكتيبات المتخصصة للمراكز العامة والبلديات والمكتبات ودور المسرح، والمختصين إلى المدارس ودور الطلبة لإلقاء الندوات وبث المعارف الضرورية حول الزلازل. أما الأهم، فهو التشدد في تطبيق مواصفات للبناء كي تكون مقاومة للهزات الأرضية بقدر المستطاع، وخلق أجهزة حكومية لمراقبة هذا الأمر.

وإلى جانب حملات التوعية على مدار السنة، تظهر جدية الإعلام التركي كذلك لحظة وقوع الزلازل. فمن يشاهد المحطات الإعلامية التركية يكتشف سريعاً أن الإعلام جاهز لتغطية هذه النوعية من الحوادث، حيث تُفرد الخرائط الجغرافية والتوبوغرافية سريعاً على محطات التلفزيون، ويصل المتخصصون في الإرشادات العامة إلى ستوديو المحطات، وتبث توجيهات مركز إدارة الكوارث والطوارئ التركي "أفاد" بشكل جدي وحازم.

وتميّز الإعلامي التركي فاتح بورتكال ليلة الزلزال الأخير بتغطية مباشرة ودقيقة للتطورات، فظهر في محطة "فوكس خبر" كالأب الخائف على أرواح أبنائه. وأعطى بداية وبشكل مباشر، توجيهات لكيفية التصرف ناصحاً من يسكنون في جنوب شرق تركيا بالخروج من منازلهم، وخفض رؤوسهم، والبحث عن أقاربهم، والتواصل السريع مع الجهات المعنية. كما ردّد أكثر من مرة، وبشكل فائق الجدية ويبعث بالأمل، بأن "تركيا بحاجة إليكم أحياء" و"أن الزلزال ليس قدراً مكتوباً". ثم عرض من خلفه خريطة للمدن والنواحي التي تأثرت بالزلزال، وبضعة تقارير ميدانية مع الذين عايشوا اللحظات المخيفة.

ويشهد الإعلام التركي المرئي، في السنوات القليلة الماضية، جدية وعلمية أكثر في ما يبثه، ويتجه أكثر وأكثر نحو التخصصية. ويخف حضور السياسيين والمشاهير على الشاشات لصالح المتخصصين، فيتفوق عدد الخبراء البيئيين والعسكريين والأكاديميين وأخصائيي التغذية والرياضة في الظهور الإعلامي عدد هؤلاء بنسبة قد تصل إلى أكثر من الضعف.

وربما يعود هذا الأمر إلى حاجة الإعلام إلى تنويع أخباره وشبكة علاقاته، أو ربما بسبب ملل الأتراك من متابعة شؤون بلادهم السياسية الداخلية الراكدة، والتي لا تتميز، في الوقت الراهن، بالكثير من التطورات المثيرة للاهتمام العام. أو ربما لأن المشاهد بات أكثر اهتماماً بشؤون تعنيه بشكل حسيّ ومباشر، وقد تنقذ حياته من الموت تحت أنقاض مبنىً متصدع.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024